أنباء اليوم
الجمعة 10 أكتوبر 2025 06:47 مـ 17 ربيع آخر 1447 هـ
 أنباء اليوم
رئيس التحريرعلى الحوفي

رحلة عمود مرنبتاح من المطرية إلى المتحف المصري الكبير

صورة توضيحية
صورة توضيحية


في مشهد يجسد رحلة أثرية تمتد عبر أكثر من ثلاثة آلاف عام، يقف عمود الملك مرنبتاح اليوم شامخًا في البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، بعد مسيرة طويلة بدأت من معابد الشمس في المطرية، مرورًا بسنوات من الإهمال والترميم داخل قلعة صلاح الدين، وصولًا إلى عرضه في أبهى صوره ضمن كنوز مصر الخالدة.

يعود العمود إلى عهد الملك مرنبتاح بن رمسيس الثاني، أحد ملوك الأسرة التاسعة عشرة في الدولة الحديثة، الذي حكم مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، نحو عام 1208 ق.م. وقد أقامه تخليدًا لانتصاره العظيم على القبائل الليبية وشعوب البحر الذين حاولوا غزو حدود مصر الغربية في العام الخامس من حكمه. جاءت النقوش الهيروغليفية المنحوتة على العمود لتسجل تفاصيل ذلك النصر، وتوثق مجد الملك الذي واصل مسيرة والده رمسيس الثاني في حماية أرض مصر وإعلاء شأنها.

العمود مصنوع من الجرانيت الوردي المستخرج من محاجر أسوان، ويبلغ ارتفاعه نحو خمسة أمتار ونصف، ويزن ما يقرب من سبعة عشر طنًا، ويُعد من أضخم الآثار التي عُثر عليها في منطقة هليوبوليس القديمة، التي كانت مركز عبادة الإله رع. عُثر عليه خلال أعمال التنقيب في منطقة عرب الحصن بالمطرية، وظلّ لفترة طويلة ملقى وسط الرمال ومياه الصرف، حتى قررت وزارة الآثار في عام 2006 نقله إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي لحمايته من التلف وإجراء أعمال الترميم اللازمة.

في القلعة، خضع العمود لعمليات دقيقة من التنظيف والتقوية، حيث تم تثبيت أجزائه الهشة وترميم النقوش المتآكلة بفعل الزمن، قبل أن يُنقل مرة أخرى عام 2018 إلى المتحف المصري الكبير في الجيزة. وجرت عملية نقله وسط ترتيبات هندسية وأثرية معقدة، استخدمت فيها أحدث الوسائل العلمية لضمان سلامته أثناء الرحلة التي استغرقت أكثر من ساعة، وسط متابعة دقيقة من خبراء الترميم والنقل الثقيل.

اليوم يحتل عمود مرنبتاح موقعًا مهيبًا بجوار تمثال والده رمسيس الثاني في البهو العظيم للمتحف، حيث يعرض في تكوين بصري بديع يجمع بين العظمة الملكية والعبقرية المصرية القديمة في النحت والتخليد. يقف العمود كوثيقة من حجر تروي قصة ملك شجاع وحضارة لا تنطفئ، وتؤكد أن التاريخ المصري ما زال ينبض بالحياة، وأن كل أثر يخرج إلى النور يضيف فصلًا جديدًا في ملحمة الهوية والخلود.

موضوعات متعلقة