رأس الإسكندر الأكبر لقاء التاريخ بالحضارة في المتحف المصري الكبير

في قاعة من قاعات العرض المهيبة بالمتحف المصري الكبير، يقف الزائر وجهًا لوجه أمام رأس نادر يجسّد ملامح واحد من أشهر القادة في التاريخ القديم، الإسكندر الأكبر، ذلك الملك المقدوني الذي غيّر وجه العالم القديم وامتدت فتوحاته من بلاد اليونان حتى تخوم الهند، وخلّد اسمه كرمز للقوة والطموح والعظمة.
الرأس المعروض في المتحف المصري الكبير مصنوع من الرخام الأبيض الناصع، وتظهر عليه ملامح تجمع بين الواقعية الكلاسيكية والجمال المثالي في الفن اليوناني. تتجلى في ملامحه قوة الشباب ونظرة التأمل التي طالما ارتبطت بصور الإسكندر، إذ ترفع الرأس قليلاً إلى الأعلى وكأنها تنظر إلى الأفق البعيد، في إشارة إلى تطلعه الدائم نحو المجد والخلود.
يُعتقد أن هذا العمل الفني نُحت في العصر البطلمي تخليدًا لذكرى القائد الذي دخل مصر عام 332 قبل الميلاد، واستقبله المصريون كمنقذ من الحكم الفارسي، فأسس مدينة الإسكندرية التي حملت اسمه وأصبحت لاحقًا منارة للعلم والثقافة في العالم القديم.
وقد حرص البطالمة الذين حكموا مصر بعد وفاته على إبراز صورته في النقوش والتماثيل، تأكيدًا لشرعيتهم السياسية ووراثتهم لمجده.
وجود رأس الإسكندر في المتحف المصري الكبير ليس مجرد عرض أثري، بل هو جسر بين حضارتين؛ المصرية واليونانية، يروي قصة تفاعل ثقافي وإنساني استمر قرونًا طويلة. ومن خلال عرضه إلى جانب آثار الفراعنة والملوك المصريين، يقدّم المتحف رؤية شاملة لتاريخ مصر الذي احتضن مختلف الثقافات على مرّ العصور.
الإسكندر الأكبر الذي مات في ريعان شبابه، لم يترك وراءه فقط إمبراطورية مترامية الأطراف، بل ترك أثرًا خالدًا في الفكر والفن والسياسة. وقد ظل اسمه مرتبطًا بالحكمة والشجاعة، كما ألهم الفلاسفة والفنانين عبر العصور.
اليوم، يقف رأسه الرخامي في المتحف المصري الكبير شاهدًا على عبقرية الإنسان في تجاوز الزمن، وتأكيدًا أن التاريخ، مهما تباعدت فصوله، يظل يجمعنا تحت راية الجمال والخلود.