متحف مجلس النواب المصري ذاكرة التشريع ومسيرة الدولة المصرية
في قلب القاهرة، وداخل أحد أهم المباني السيادية في البلاد، يقف متحف مجلس النواب المصري شاهدًا على تاريخ طويل من التشريع والحياة النيابية، ومخزنًا لذاكرة الدولة المصرية منذ أقدم عصورها وحتى العصر الحديث. المتحف لا يكتفي بسرد تاريخ البرلمان فقط، بل يقدم قراءة عميقة في تطور فكرة القانون والعدالة وصناعة القرار في مصر.
يأتي المتحف كجزء من مبنى مجلس النواب، ذلك الصرح المعماري الذي ارتبط اسمه بالحياة السياسية المصرية لأكثر من قرن، ليؤكد أن العمل النيابي ليس وليد اللحظة، بل امتداد حضاري ضارب في عمق التاريخ. فمنذ الحضارة المصرية القديمة، عرف المصريون مفهوم التنظيم والتشريع، وهو ما ينعكس بوضوح في فلسفة المتحف ومحتواه.
يضم المتحف قاعات عرض توثق مسيرة التشريع عبر العصور، بداية من الرموز والنماذج المستلهمة من العصر الفرعوني، مرورًا بالعصور الإسلامية، وصولًا إلى نشأة الحياة النيابية الحديثة في القرن التاسع عشر وما تلاه. وتتضمن المعروضات كرسي العرش التاريخي لمجلس النواب، والذي يرمز إلى السلطة التشريعية وكرامة المؤسسة، بالإضافة إلى مقتنيات ثمينة تشمل وثائق قانونية قديمة، صكوك رسمية، نماذج تشريعية، وأدوات مستخدمة في توثيق الجلسات البرلمانية عبر العقود. كما يعرض المتحف صورًا ولوحات نادرة توثق جلسات البرلمان وأحداثًا مفصلية في تاريخ الدولة المصرية، إلى جانب الهدايا التذكارية الرسمية المقدمة إلى رؤساء المجلس.
ولا يقتصر دور المتحف على العرض فقط، بل يحمل رسالة ثقافية وتوعوية، تهدف إلى تعريف الأجيال الجديدة بتاريخ البرلمان وأهمية العمل النيابي ودوره في بناء الدولة الحديثة. كما يبرز المتحف تطور المؤسسة التشريعية، وما شهدته من تحولات سياسية ودستورية، عكست بدورها تحولات المجتمع المصري.
ويمثل المتحف كذلك قيمة توثيقية مهمة، إذ يحفظ جانبًا من التراث السياسي الذي غالبًا ما يكون عرضة للنسيان، مقارنة بالتراث الأثري أو المعماري. ومن هنا تأتي أهميته كأحد المتاحف المتخصصة والنادرة، التي توثق تاريخ الحكم والتشريع، لا باعتباره مجرد نصوص قانونية، بل كحكاية مجتمع ودولة.
متحف مجلس النواب المصري هو دعوة مفتوحة للتأمل في مسيرة الوطن، ورسالة بأن الحفاظ على الذاكرة السياسية والمقتنيات التاريخية لا يقل أهمية عن صون الآثار والمعالم التاريخية. فهو مساحة تجمع بين التاريخ والسياسة والثقافة، وتؤكد أن بناء المستقبل يبدأ بفهم الماضي واحترامه.


