السيد البدوي رمز التصوف الشعبي وشيخ طنطا العارف بالله

يُعد السيد أحمد البدوي أحد أبرز رموز التصوف الإسلامي في مصر والعالم العربي، واسمه الكامل هو السيد أحمد بن علي البدوي، وُلد بمدينة فاس المغربية عام 596 هـ / 1200 م، وينتهي نسبه إلى آل بيت النبي محمد ﷺ، إذ يتصل نسبه بالإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما.
نشأ السيد البدوي في بيتٍ عُرف بالعلم والتقوى، وتلقى علومه الأولى في الفقه والحديث والتفسير، ثم ارتحل مع أسرته إلى مكة المكرمة، حيث عاش بها سنوات طويلة، اتسمت بالتعبد والتهجد والانقطاع للعبادة.
وخلال إقامته بالحجاز، ذاع صيته بين العلماء والمتصوفة، حتى لُقّب بـ«البدوي» نظرًا لارتدائه العمامة الحمراء التي اشتهر بها، وكان كثير الترحال، يسعى لنشر قيم الزهد والإصلاح الروحي.
وفي عام 633 هـ (1236 م)، قدم السيد البدوي إلى مدينة طنطا في مصر، واستقر بها حتى وفاته. تحولت طنطا منذ ذلك الحين إلى قبلة للزائرين والمريدين من مختلف أنحاء مصر، الذين كانوا يقصدون ضريحه طلبًا للبركة والدعاء.
عرف السيد البدوي بصفاته الروحية الفريدة؛ فكان رمزًا للتواضع والكرم والعطاء، وعُرف بين أتباعه بالشيخ «العارف بالله»، وأسس طريقته الصوفية التي حملت اسمه لاحقًا: الطريقة الأحمدية، والتي لعبت دورًا بارزًا في نشر التصوف السني في مصر، مؤثرة في حياة الناس الدينية والاجتماعية عبر القرون.
بعد وفاته سنة 675 هـ / 1276 م، بُني له ضريح ضخم ومسجد كبير في وسط مدينة طنطا، وأصبح مزارًا من أهم المزارات الدينية في مصر. يقام له مولد سنوي في شهر أكتوبر من كل عام، يجتمع فيه مئات الآلاف من الزائرين من داخل مصر وخارجها، في أجواء روحانية واحتفالية تعكس عمق الارتباط الشعبي بالتراث الصوفي.
ورغم مرور أكثر من سبعة قرون على رحيله، لا يزال السيد البدوي حاضرًا في وجدان المصريين، بوصفه رمزًا للتقوى والمحبة والسلام الداخلي، وتجسيدًا حقيقيًا للتصوف المعتدل الذي يجمع بين العبادة وخدمة الناس.