الابناء بين الرحمه والجحود

بقلم- هاله شُريح سليم
الأبناء هم الامتداد الحقيقي للإنسان في هذه الدنيا هم الحلم الذي يسعى كل أب وأم لتحقيقه وهم البذرة التي يزرعها الوالدان في أرض الحياة على أمل أن تُثمر حبًّا ووفاءً ورعاية في الكبر منذ اللحظة الأولى التي يُبشَّر فيها الأب بمولود جديد ومنذ أول آلام حملٍ تتحملها الأم تبدأ رحلة طويلة من العطاء عطاء لا يعرف أنانية ولا انتظار مقابل.
الأم تحمل في أحشائها تسعة أشهر تتألم وتضعف وتُرهق ثم تضع وليدها بدموع وأوجاع وتسهر الليالي تُرضعه وتطمئن عليه وتُعلّمه أبجديات الحياة خطوة بخطوة.
والأب يجري في دروب الحياة يسعى ويكدّ ليوفر لقمة العيش ووسائل الراحة لأبنائه يتنازل عن رغباته وأحلامه ليجعل من حياتهم حياةً أفضل.
هكذا ينشأ الأبناء بين حنان الأم ورعاية الأب
لكن مع مرور الأيام وكبر الأبناء نجد مشهدًا مؤلمًا يتكرر في مجتمعاتنا بعض الأبناء إلا من رحم الله يقابلون هذه التضحية العظيمة بالجحود والإهمال ينشغلون بحياتهم الجديدة بعملهم وزوجاتهم وأولادهم وكأنهم ينسون أصل الحكاية وينسون مَن صنعوا لهم حاضرهم ومستقبلهم.
وقد ذكر الله تعالى هذه الحقيقة في كتابه حين قال:
﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].
هذه الآية الكريمة تلخص جوهر العلاقة بين الأبناء والآباء فالمعيار الحقيقي للبرّ يظهر حين يكبر الوالدان ويضعفان ويصبحان بحاجة إلى كلمة طيبة قبل المال وإلى لمسة رحيمة قبل أي شيء آخر.
ويؤكد النبي ﷺ هذه الحقيقة بقوله:
“رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَن أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِندَ الكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ” [رواه مسلم].
أي خسارة أعظم من أن يعيش الإنسان والديه كبارًا فيكونا بابًا مفتوحًا للجنة ثم يضيّع هذه الفرصة بالجفاء والإهمال؟
لكن الإنصاف يقتضي أن نقول ليس جميع الأبناء كذلك. فما زال في هذه الدنيا قلوب صافية تعرف معنى البر وتُقدّر عطاء الوالدين وتبذل ما تستطيع لردّ الجميل هؤلاء الأبناء يعيشون معنى الرحمة الذي غرسه الله في قلوبهم ويكونون السند لأمهاتهم وآبائهم يخففون عنهم ثقل السنين ويُشعرونهم أنهم لم يربّوا ويضحوا عبثًا وهؤلاء هم الذين قال فيهم الله تعالى: “إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ”، فالرحمة هبة عظيمة من الله لا يوفَّق إليها إلا من شاء له ربه الهداية.
الأبناء حين يقسون على والديهم إنما يُظهرون خللًا في منظومة التربية أو ضعفًا في القيم التي لم يتشربوها حق التشرب فالتربية ليست فقط طعامًا وشرابًا وملبسًا بل هي غرس قيم الرحمة والوفاء وهي تعليم الأبناء أن الأيام دُوَل وأن من يزرع المعروف سيجني ثماره يومًا.
والمجتمع كله يتأثر بهذه الظاهرة فالأبناء الذين ينسون فضل آبائهم غالبًا ما ينشأ أبناؤهم على نفس النهج فتستمر سلسلة الجفاء والقسوة جيلًا بعد جيل. أما الأبناء الذين يبرّون آباءهم، فإن الله يهيّئ لهم من يبرّهم في كبرهم مصداقًا لقول النبي ﷺ: “بِرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ” [رواه الطبراني].
وفي نهايه حديثي اقول ان الأب والأم هما الجنة التي تمشي على الأرض ومن فقد برّهما فقد خيرًا كثيرًا. فلتكن تربية الأبناء تربيةً قائمة على الحب والرحمة وليكن الأبناء على وعي بأن حياتهم ما كانت لتكون كما هي لولا دموع وأحلام وأوجاع تحملها الوالدان في صمت.
إن قسوة الأبناء على آبائهم جرح لا يندمل لكن رحمة الله واسعة فلا يزال هناك أبناء أوفياء يردّون الجميل بأضعافه ويُعيدون للوالدين ما يستحقان من تقدير وحنان