الخميس 25 أبريل 2024 11:49 صـ 16 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي
”فيرتف” تفتتح مقراً إقليمياً جديداً في الرياض لتعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط محافظ بورسعيد يهنيء أبناء المحافظة بالذكري ال42 لعيد تحرير سيناء وزير التعليم العالي يرأس اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد الأقسام المختلفة بمستشفيات جامعة جنيف ومستشفى لا تور وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ مشروع محطة الحاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط كلمة الرئيس السيسى بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ”42” لتحرير سيناء « حزب النصر » يهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة بذكرى تحرير سيناء المستشار محمد عبدالنبى: مصر أصبحت جاهزة تمامًا لاستقبال الاستثمارات الأجنبية إيفرتون يضرب ليفربول بثنائية ويبعده عن سباق الفوز بالبريميرليج برشلونة يعلن بقاء تشافي علي رأس الجهاز الفني لموسم آخر جوميز يعلن قائمه الزمالك المتجهة إلى غانا استعداداً لمواجهة دريمز محمد صلاح يعود إلي تشكيلة ليفربول لمواجهة إيفرتون بالبريميرليج

في مثل هذا اليوم كان أول لقاء بين الكفر والإيمان .. تعرّف على أحداث غزوة بدر بالتفصيل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا ، الذي له ملك السموات والأرض وخلق كل شيء فقدره تقديرًا ، خلق الإنسان من نطفة أمشاج يَبتليه فجعله سميعًا بصيرًا ، ثم هداه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا ، فمن شكر كان جزاؤه جنة وحريرًا ونعيمًا وملكًا كبيرًا ، ومن كفر لم يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا ، نحمده تبارك وتعالى حمدًا كثيرًا، ونعوذ بنور وجهه الكريم من يوم كان شره مستطيرًا ، ونسأله أن يُلقِّينا يوم الحشر نَضرة وسرورًا .

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تجعل الظلمة نورًا وكيف لا وقد أتى علينا حين من الدهر لم نكن شيئًا مذكورًا فخلقنا وصوَّرنا ورزقنا وكان فضله علينا كبيرًا .

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده المرسل بالحق مبشِّرًا ونذيرًا ، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ، قُرئ عليه القرآن ففاضت بالدمع عيناه، وكان ما تقدم وما تأخر من الذنب مغفورًا ، قام الليل حتى تورَّمت قدماه، وقال: أفلا أكون عبدًا شكورًا ، أكل ورَق الشجر حتى تشقَّقت شفتاه، وكان لله محتسبًا صبورًا ، حمل سيفه، وغزى ماشيًا في الفلاة، والعشرة يتعاقبون بعيرًا ، جاهد الشرك والمشركين، وما لانت له قناة، وقال مقالة الحق وما نطق زورًا..

أما بعد فهيا بنا نتعرف سوياً علي أحداث غزوة بدر بالتفصيل ذاك اللقاء الأول بين الكفر والايمان الذي كان في السابع عشر من شهر رمضان المبارك الموافق للعام الثاني الهجري .

تسمّى غزوة بدر بغزوة الفرقان، وغزوة بدر الكبرى ، فبعد أن هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة المُنوّرة، وبدأ بإنشاء دولته، حرص على تحقيق ما يضمن الاستقرار نوعاً ما من معاهدات أبرمها مع بعض القبائل المحيطة بالمدينة، إلّا أنّ ذلك لم يضمن الاستقرار الكافي للمسلمين، سواء داخل المدينة، أو خارجها .

فاليهود وبعض المشركين يعيشون بينهم، وعلاقة قريش بالقبائل المجاورة قويّة، كما أنّ القتال كان لا يزال ممنوعاً على المسلمين، ومنهاجهم الإعراض عن المشركين .

فنزل قوله تعالى: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ "

ثمّ تغيّر الوضع من كفٍّ وإعراضٍ عن المشركين إلى السماح بقتالهم، وقد سمع الرسول ﷺ باقتراب قافلة قريش العائدة من الشام ويترأسها أبو سفيان، فقرّر الرسول ﷺ مهاجمتها ؛

إذ إنّ هذه القافلة كانت مُحمَّلة بأموالٍ لقريش، وخرج الرسول ﷺ مع ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، وكان معهم من البعير والخيل سبعون بعيراً، وفَرَسان؛ فالأوّل للزبير والثاني للمقداد بن الأسود آخذين بعين الاعتبار أنّ ذلك سيكون ضربة لاقتصاد قريش؛ حيث لم يكن يحمي القافلة سوى أربعون رجلاً، أو نحو ذلك...

فهيا بنا لنتعرف سوياً علي أحداث الغزوة بالتفصيل :

أولاً : تحضير الرسول ﷺ المسلمين للقتال

بدأ الرسول ﷺ بالإعداد التربوي، والنفسي لأصحابه بأنّ قتالهم لا يكون إلّا في سبيل الله عزّ وجلّ لتظلّ روح الجهاد عالية، ورأى أنّ مهاجمة قوافل قريش المُتّجِهة إلى الشام هو الحلّ الأنسب للقوّة الإسلاميّة من حيث العدد والعُدّة، وضمان الرجوع السريع إلى المدينة نظراً لأنّ هذه القوافل تَمُرّ بالقُرب منها.

ثانياً : مجلس المشاورة وتنظيم الجيش الإسلامي .

عقد النبي ﷺ مجلساً للشورى مع صحابته الكرام ليستشيرهم بالخروج لإعتراض عير أبي سفيان، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه موافقاً ومؤيّداً ذلك، وقام بعده عمر بن الخطاب والمقداد بن عمرو رضي الله عنهم مؤكّدين على الموافقة .

حتى قال المقداد بن عمرو كلاماً رائعاً : "يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ"

ولا زال النبي ﷺ يتشيرهم حتى قام سعد بن معاذ رضي الله عنه وقال كلاماً بليغاً، ومن كلامه المشهور: "لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ ... فَوالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ... فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ" .

وعندئذٍ قام الرسول ﷺ مبشّراً أصحابه ورافعاً لعزائمهم ، ولِكونه ﷺ القائد الأعلى للجيش الإسلامي، اهتمّ بالاستعداد للمواجهة ، وذلك بتنظيم الجيش، وإرسال العيون لاستطلاع الأخبار، ثمّ توزيع المَهامّ على أصحابه على النحو الآتي ...

• استخلف ابنَ أم مكتوم على المدينة، وعلى الصلاة بداية، ثمّ أعاد أبا لبابة بن المنذر إلى المدينة، واستخلفه عليها عندما وصل إلى الروحاء.

• عَيّن مصعبَ بن عُمير قائداً للواء المسلمين، وكانت راية اللواء بيضاء اللون.

• قسّم جيشَه إلى كتيبتَين " مهاجرين ، وأنصار " وكلّف عليّاً بن أبي طالب بحمل علم المهاجرين، وسعداً بن معاذ بحمل علم الأنصار.

• عَيّن الزبيرَ بن العوّام قائداً لميمنة الجيش، والمقدادَ قائداً لميسرته.

ثالثاً : تحرُّك الجيش الإسلاميّ لبداية القتال .

بدأ الرسول الله ﷺ بالمسير مع جيشه على الطريق الرئيسيّ المُؤدّي إلى مكّة المُكرّمة، ثمّ انحرف إلى اليمين باتِّجاه منطقة النازية قاصداً مياه بدر وقبل وصوله إليها في منطقة الصفراء بَعث بسبس بن عمرو الجهنيّ وعديّ بن أبي الزغباء الجهنيّ إلى بدر يتحسّسان أخبار القافلة، ووصلت الأخبار إلى أبي سفيان بأنّ رسول الله ﷺ خرج مع أصحابه للإيقاع بالقافلة، فبعث ضمضم بن عمرو إلى مكة يستصرخ أهلها لحماية القافلة.

إلّا أنّ أبا سفيان لم ينتظر وصول المَدد من أهل مكة، بل بذل أقصى ما لديه من دهاء وحنكة للهروب من جيش الرسول ﷺ فعندما اقتربت قافلته من بدر سَبَقها، ولَقِيَ مجدي بن عمر وعَلِم منه بمرور راكبين بالقُرب من بدر، فسارع أبو سفيان بأخذ بعض فضلات بعيرَيهما، ووجد فيها نوى التمر، فعَلِم أنّ جيش النبيّ قريب من بدر لأنّه علف أهل المدينة، ممّا جعله يسارع إلى القافلة مُغيِّراً اتّجاهها تاركاً بدراً يساره فنجت القافلة.

رابعاً : استعداد المشركين وتجهيز الجيش للغزوة .

سمع أهل مكّة بما جاء به رسول أبي سفيان ضمضم، وسرعان ما تجهّزوا، وخرجوا إليه في ما يُقارب الأَلْف مقاتل، منهم ستمئة يلبسون الدروع، أمّا البعير والخيل فكان معهم منها سبعمئة بعير، ومئة فرس، بالإضافة إلى القِيان معهم يُغنِّين بذَمّ المسلمين، وعلى الرغم من أنّ أبا سفيان أرسل إليهم خبر نجاة القافلة، وأخبرهم بالرجوع، إلّا أنّ أبا جهل رفض الرجوع، وعزم على المسير بالجيش إلى أن يصل بدراً، فيقيمون هناك ثلاثة أيام يأكلون، ويشربون، ويُغنّون حتى تسمع بهم قبائل العرب جميعها بهدف فرض السيطرة والهَيبة لقريش، وتدعيم مكانتها .

خامساً : التطوُّر المُفاجئ في أحداث الغزوة

عَلم رسول الله ﷺ بخبر تغيير القافلة مسارَها، وأنّ جيش مكّة خرج وواصل مسيره بالرغم من نجاة قافلتهم، ورأى أنّ الرجوع يَدعم المكانة العسكريّة لقريش في المنطقة، ويُضعِف كلمة المسلمين، وليس هناك ما يَمنع المشركين من مواصلة مسيرهم إلى المدينة وغَزو المسلمين فيها، فسارع الرسول ﷺ إلى عقد مجلس عسكريّ طارئ مع أصحابه .

وقد بيّن لهم في المجلس خطورة المَوقف إذ إنّهم مُقدِمون على أمر لم يستعدّوا له كامل الاستعداد حيث كانوا قد خرجوا لأمر بسيط، ولكنّهم وُضِعوا في موقفٍ صعب ، فلم يكن من المسلمين مهاجرين، وأنصار إلّا أن وقفوا وِقفة رجل واحد إلى جانب رسول الله ﷺ فقال لهم مُبَشّراً ..

"سيروا على بركةِ اللهِ وأبشروا، فإنَّ اللهَ قد وعدني إحدَى الطَّائفتين، واللهِ لكأنِّي الآن أنظرُ إلى مصارعِ القومِ "

سادساً : خُطّة المسلمين للقتال في الغزوة .

أراد رسول الله ﷺ أن يصل أوّلاً إلى مياه بدر ليمنعَ المشركين من الاستيلاء عليها، وبعد أن اقترب من أدنى ماء من بدر، نزل بها، وكان قد علم الحبّاب بن منذر من رسول الله ﷺ أنّ المَنزل الذي نزله الجيش هو من باب الحرب، وليس أمراً من الله لا يُمكن تجاوزه، فأشار عليه بخُطّة مُحكَمة مَفادها أن ينزل الجيش بأدنى ماء من المشركين، ويُبنى عليه حوض يُملَأ بالماء ليشرب المسلمون منه دون المشركين، فأخذ رسول الله ﷺ بمشورته.

ونزل الجيش الإسلاميّ المَنزل الذي أشار إليه الحبّاب بن منذر، وتَحسُّباً للطوارئ اقترح سعد بن معاذ بناءَ مَقرٍّ للقيادة بهدف الحفاظ على حياة الرسول ﷺ برجوعه إلى أصحابه في المدينة فيما لو هُزِم المسلمون، ونال اقتراحه التأييد والثناء من رسول الله ﷺ فتَمّ بناؤه على تَلٍّ مُرتفع يُطِلّ على ساحة المعركة، وتَكفّل سعد بن معاذ مع شباب من الأنصار بحمايته .

سابعاً : نزول المطر وتثبيت قلوب المسلمون .

بات المسلمون ليلتهم وقد امتلأت قلوبهم بالثقة، والاستبشار بعطاء الله، وكان رسول الله ﷺ مُتفَقِّداً لأصحابه، ومُنظِّماً لصفوفهم، ومُذكِّراً لهم بالله، واليوم الآخر، ومُتضرِّعاً لله جلّ جلاله يدعوه بقوله : " للهمَّ أين ما وعَدتَني؟ اللهمَّ أنجِزْ ما وعَدتَني، اللهمَّ إنْ تَهلِكْ هذه العِصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ فلا تُعبَدُ في الأرضِ أبدًا "

فأنزل الله تلك الليلة مطراً خفيفاً يُثبِّت به القلوب، ويُطهّرها من وساوس الشيطان، ويُثبّت به الأقدام؛ حيث إنّ الرمل تماسك، وتلبّد بماء المطر، فسَهُل المسير عليه

فقد قال الله تعالى " إذ يُغَشّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطانِ وَلِيَربِطَ عَلى قُلوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدامَ "

ثامناً : موعد التقاء الجمعان .

كان اليوم السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة هو اليوم الذي التقى فيه الجيشان وبدأ المشركون بالهجوم عن طريق الأسود بن عبدالأسد الذي حلف أن يشرب من حوض المسلمين، فإن لم يتمكّن من ذلك هَدَمه، فتصدّى له حمزة بن عبد المطلب حتى قتله، واشتعلت نار المعركة، فخرج ثلاثة من أفضل فرسان قريش، وهم: عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة يطلبون المبارزة.

فخرج لهم ثلاثة من الأنصار، إلّا أنّ فرسان قريش طلبوا من رسول الله ﷺ فرساناً من بني عمّهم لمُبارزتهم، فأخرج لهم رسول الله ﷺ بن الحارث، وحمزة بن عبدالمُطّلب، وعليّاً بن أبي طالب، وقِيل إنّ رسول الله هو من أرجع الأنصار حتى تكون عشيرته أوّل من يواجه العدو، فبدأ النزال، وسرعان ما انهزم فرسان قريش .

تاسعاً : ذروة القتال بين الكفر والايمان .

بَلغ الغضب أَوجُه المشركين لهذه البداية المُحبِطة إذ فقدوا ثلاثة من أفضل فرسانهم، فهجموا هجمة رجل واحد على المسلمين،مُتّبِعين أسلوب الكَرّ والفَرّ في قتالهم وهو أسلوب يتمثّل بهجوم جميع المقاتلين مشاة، وفرسان، ونشّابة بالسيوف، والرماح على العدو، فإن صمد العدو فرّوا لِيُعيدوا تنظيمهم، ثمّ يعودوا ثانية إلى القتال، وهكذا إلى أن يَظفروا بالنصر، أو تلحق بهم الهزيمة .

أمّا المسلمون، فقد قاتلوا بأسلوب مُختلف تماماً حيث اهتمّ النبيّ ﷺ بترتيب المقاتلين صفوفاً فجعل الصفوف الأمامية تُقاتل بالرماح لمواجهة فرسان العدو، أمّا بقيّة الصفوف فقد كانت ترمي العدوّ بالنِّبال، مع رباط الصفوف جميعها في مواقعها حتى يَفقِد المشركين الزخم في عددهم، فتتقدّم الصفوف كلّها مُهاجمةً العدوَّ، وبذلك يكون رسول الله ﷺ اتّبع أسلوباً جديداً في القتال يَصلح للدفاع والهجوم في آنٍ واحد، الأمر الذي مكّنه من إدارة قوّة جيشه، وتأمين قوّة احتياطية للطوارئ، على خِلاف أسلوب الكَرّ والفَرّ .

عاشراً : نزول الملائكة وتأييد المسلمين بالنصر من عند الله .

تابع المسلمون قتالهم بحماس وشجاعة، واستمرَّ رسول الله ﷺ بحَثِّهم وتشجيعهم على القتال فالموقف صعب، ولا بُدّ من الاستمرار برَفْع المعنويّات، فكان يُحفّزهم بقوله: " قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ "

وواصل التّضرع لله والدعاء للمسلمين حتى أوحى الله إليه:

" إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ "

وأمر الله ملائكته بقوله: " أَنّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنوا سَأُلقي في قُلوبِ الَّذينَ كَفَرُوا الرُّعبَ فَاضرِبوا فَوقَ الأَعناقِ وَاضرِبوا مِنهُم كُلَّ بَنانٍ "

فكان المَدد من الله أعداداً من الملائكة، وليس مَلَكاً واحداً على الرغم من كفايته وذلك بشارة للمسلمين

إذ قال الله تعالى : " وَما جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلّا بُشرى وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلوبُكُم "

ولم يَتوقّف دور النبيّ ﷺ على التشجيعوالدعاء فقط، بل قاتل مع أصحابه حيث كان يهاجم العدوّ وهو يقول:

" سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ " وأخذ حفنة من التراب، وألقاها على المشركين، فلم يَسلَم أحد من تلك الحفنة إلّا وقد أصابت عينه وفمه .

وقد قال تعالى: " وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلـكِنَّ اللَّـهَ رَمى " وشارفت المعركة على النهاية إذ تزعزت صفوف المشركين واضطربت وبدأوا بالانسحاب والفرار وأخذ المسلمون بالقتل والأسر حتى ألحقوا الهزيمة الفادحة بالمشركين.

▪️ أسباب غزوة بدر .

قال الله تعالى: " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ "

فعامّة الناس يكرهون القتال، وقد يكون القتال أحياناً الفاصل بين طرفَين يُدافِع كلٌّ منهما عن قضاياه، ومعتقداته، ومعركة بدر كغيرها من المعارك لها عدّة أسباب يمكن إجمالها في ما يأتي:

١ : إعلاء الحقّ الذي جاء به رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ودَحر الباطل الذي تتمسّك به قريش، وتُدافع عنه.

٢ : القضاء على الخطر المُحدِق بتجارة المسلمين، وحياتهم، والمتمثّل بمرور قوافل قريش المُتّجِهة إلى الشام بالقُرب من المدينة.

٣ : الغضب الذي استولى على مُشركي قريش بخروج النبيّ مع سريّته المُتّجِهة إلى منطقة نخلة التي تقع بين مكّة والطائف.

٤ : رغبة المسلمين في استعادة الممتلكات المسلوبة منهم، وإضعاف القوّة الاقتصاديّة لقريش.

▪️ نتائج غزوة بدر .

انتهت الغزوة بالنصر المُؤزَّر للمسلمين، والهزيمة الساحقة للمشركين، قال تعالى: " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "

وقد سمّى الله يوم بدر بيوم الفرقان، وذلك في قوله:

" يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمعانِ " لأنّه فرّق فيه بين الحقّ واالباطل

▪️ الغنائم .

أقام رسول الله ﷺ في بدر ثلاثة أيّام بعد انتهاء المعركة وذلك لدفن الشهداء، والقضاء على أيّة محاولة يُمكن أن تصدر عن المُنهَزِمين، وليأخذ الجيش مقداراً كافياً من الراحة، إلى جانب جمع الغنائم، وقبل الرحيل من أرض المعركة كان المسلمون قد جمعوا الكثير من الغنائم، ولم يكن الشرع قد بيّن حُكمها بعد، فأمرهم رسول الله ﷺ بإعادة ما تمّ جَمعه منها.

ثمّ نزل قوله تعالى: " يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ لِلَّـهِ وَالرَّسولِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصلِحوا ذاتَ بَينِكُم وَأَطيعُوا اللَّـهَ وَرَسولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ "

ثمّ أنزل الله تعالى كيفيّة تقسيمها في قوله: " وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللَّـهِ "

فقسّمها رسول الله ﷺ على المسلمين بالتساوي بعد أخذ خُمسها .

▪️ الأسرى .

تحرّك رسول الله بجيشه نحو المدينة ومعه الأسرى من المشركين، وقد بلغ عددهم سبعين رجلاً قُتِل منهم اثنان مّمن عُرِفوا بأذيّتهم الشديدة للمسلمين، وهما: النضر بن الحارث الذي كان حاملاً للواء المشركين في المعركة، وعقبة بن أبي معيط الذي حاول من قَبل خَنق رسول الله ﷺ بردائه .

وعندما وصل رسول الله ﷺ الي المدينة، استشار أصحابه في قضيّة الأسرى، فرأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أخذ الفدية منهم، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحزم وقَتلهم لأنّ إيذاءهم كان شديداً للمسلمين، وقد أخذ رسول الله بمشورة أبي بكر بأخذ الفدية منهم.

أمّا كيفية الفداء فكانت بأخذ ألف إلى أربعة آلاف درهم عن الأسير، فإن لم يجد ما يفدي به نفسه، علّم الكتابة لعشرةٍ من مُسلِمي المدينة، وقد مَنّ رسول الله ﷺ علي عدد من الأسرى بإطلاق سراحهم دون الفداء، منهم: المطلب بن حنطب، وأبو العاص زوج ابنته زينب، والذي اشترط عليه تركها مقابل ذلك.

▪️ شهداء المسلمين وقتلى المشركين .

كان عدد المسلمين الذين استُشهِدوا في المعركة أربعة عشر رجلاً ستّة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، أمّا قتلى المشركين فقد بلغ عددهم سبعين رجلاً معظمهم من قادة قريش وكان أبو جهل واحداً منهم فقد قتله شابّان من الأنصار هما: معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، إذ أصرّا على قتله لأنّهما سمعا أنّه كان يَسبّ رسول الله ﷺ

وكان ممّن قُتِل من قادة قريش أيضاً أميّة بن خلف الذي قتله بلال بن رباح لما عاناه من أشدّ أنواع العذاب، وأقساه في مكّة على يديه قال تعالى : " قاتِلوهُم يُعَذِّبهُمُ اللَّـهُ بِأَيديكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ وَيُذهِب غَيظَ قُلوبِهِم وَيَتوبُ اللَّـهُ عَلى مَن يَشاءُ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ "

وقد بيّنت نصوص القرآن الكريم السنة النبوية فضل الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر، حيث قال الله تعالى: " قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّـهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ "

كما روى البخاري في صحيحه الحديث الذي يخاطب فيه جبريل عليه السلام الرسول ﷺ : " ما تعُدُّون أهلَ بدرٍ فيكم؟ قال: من أفضلِ المسلمين، أو كلمةً نحوَها، قال: وكذلك من شَهِد بدرًا من الملائكةِ "

▪️ دروس وعِبر من غزوة بدر .

لا بُدّ من الإشارة أوّلاً إلى أنّه لم يُؤذَن لرسول الله بالقتال إلّا بعد صبرٍ طويل على أذى قريش من سخرية، وافتراء، وتآمر على قتله، فكان لا بُدّ من القضاء على الباطل ليَتخلّص المسلمون من أذاهم، وليتمكّنوا من نشر دعوة الإسلام وقد كان لهذه المعركة الكثير من الدروس، والعِبر، ومنها :

١ : تُعدّ الروح المعنويّة العالية للجيش، وسُموّ الغاية من القتال من أهمّ الأسباب التي لها الأثر البالغ في تحقيق النصر؛ فالعدد والعُدّة وحدهما لا يُمكنهما ضمان ذلك.

٢ : يجب على القائد عدم إجبار جيشه على خوض المعارك، بل محاورتهم، والاستماع إليهم.

٣ : يجب على القائد أن يتقبّل حرص جنوده على حياته؛ فبقاء القائد حيّاً يَدعَم نجاح المعركة.

٤ : يُؤيّد الله عباده المؤمنين في معاركهم بجُند من عنده، كالملائكة، والمطر.

٥ : يحرص الداعية المسلم على هداية أعدائه، ويُفسح لهم المجال بذلك، وهذا ما رجاه رسول الله ﷺ بقبول الفدية من الأسرى.

والي هنا قد وصلنا الى نهايه حديثنا واسال الله العظيم لي ولكم التوفيق والسداد وأن يثبت خطانا ويهدينا الي الصراط المستقيم وان نخرج جميعا من رمضان مقبولين اللهم آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .