الجمعة 29 مارس 2024 12:51 صـ 18 رمضان 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

وزير الأوقاف: ديننا دين الوفاء وخدمة الإنسان لوالديه ليست مِنَّة .. وإنما حق واجب

وزير الأوقاف
وزير الأوقاف

أشار أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إلى جمال الحق وجمال الحديث عن الحق، ويكفي أن الله (عَزَّ وجَلَّ) سمى نفسه الحق يقول سُبحَانَهُ : " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" ، ويقول سُبحَانَهُ: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، ويقول سُبحَانَهُ: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" فالله هو الحق ونبينا (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) حق ، رسول الله حقًا وصدقًا ، والموت حق ، والجنة حق ، والنار حق ، وديننا أمرنا بالوفاء بجميع الحقوق سواءً أكانت حقوقًا مادية ، أم حقوقًا معنوية، والقرآن الكريم حق يقول سُبحَانَهُ: " إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " ، ويقول سُبحَانَهُ : " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر " عند من فسَّر الحق هنا بأنه القرآن الكريم، ويقول سُبحَانَهُ: " وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" ، فالحق القاطع ؛ الموت حق ، والجنة حق ، والنار حق ، لكن بعض الناس يحيد ويبتعد وكأنه لا يرى حيث يقول سُبحَانَهُ: " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" أي ما كنت تحاول أن تبتعد عنه وأن تواجهه ، ويقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ): "ما منْكم مِنْ أحدٍ إلَّا سُيكلِّمُه ربُّه ليس بينه وبينه ترْجُمان فينظرُ أيمنَ منه فلا يرَى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأم منه فلا يرَى إلَّا ما قدَّم، وينظرُ بينَ يديِه فلا يرَى إلَّا النَّار تلقاءَ وجهِهِ فاتَّقُوا النَّار ولو بشقِّ تمرةٍ"، هذا حديثنا عن الحق فمن أيقن بأن الله حق وأن رسوله حق وأن الموت حق وأن الجنة حق وأن النار حق عمل على كل ما يقربه إلى الجنة ويباعده عن النار ، وأدى الحقوق إلى أصحابها، حيث يقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ): " مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ، وَحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ فَقالَ له رَجُلٌ: وإنْ كانَ شيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ" أي وإن كان مقدار عودٍ من السواك ، والحقوق كثيرة منها حق المال حيث يقول سُبحَانَهُ: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" ، ويقول سبحانه: “ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ." ويقول سُبحَانَهُ: " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا " ففي المال حق ، والزكاة حق المال ومن يمنع هذا الحق فجزائه كما قال الله سُبحَانَهُ: " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ " وهذا هو الحق الرئيس ، وهو الزكاة المعلومة ليس فضلا ولا مِنَّة، كان الإمام علي (رضي الله عنه) يقول :إن الله فرض حق الفقراء في أموال الأغنياء ، فما جاع فقير إلا بشحِّ غنيّ"، فإن وجدت فقيرًا جائعًا محرومًا فاعلم أن هناك غنيًا لم يؤد حق الله عليه، ولذلك عندما أخرج الناس حق المال في عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وأخرجوا الزكاة والصدقات ووفوا بحق المال لم يجدوا حينها إنسانًا فقيرًا ولا محرومًا، حتى إنه كان ينادي منادٍ من ليست له دابة فدابته من بيت مال المسمين، من كان عليه دينٌ فسداد دينه من بيت مال المسلمين ، فهذا حقٌ معلومٌ، حقٌ واضح لا يجوز لك أن تمنعه عن أصحابه وإلا كنت مانعًا للزكاة ، وليعلم الناس أن الزكاة فرض كالصيام وكالصلاة، وكان سيدنا أبو بكر الصديق (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) يقول: "والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة ، وكان سيدنا عبدالله بن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) يقول: ثَلَاثُ في القرآن نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثِ ، أَوَّلُهَا قَوْله تَعَالَى: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" ، فمن لم يطع الرسول لم يطع الله لأن طاعة الرسول من طاعة الله ، وَالثَّانِية قَوْله تَعَالَى: "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ" ، فمن لم يؤد الزكاة كمن لم يقم الصلاة كمن لم يصم رمضان ، فأركان الإسلام خمسة: الشهادتان، والصلاة والزكاة والصيام والحج ، لأن بعض الناس يصومون ويُصَلُّون لكنهم يبخلون بحق الله في المال فنقول أن الذي لا يخرج زكاة ماله كاملة صحيحة كالذي لا يصلي وكالذي يفطر في نهار رمضان لا فرق بين هذا وذاك ، فحق المال حق لله كحق الصيام وكحق الصلاة وكحق الشهادتين وكحق الحج لمن استطاع إليه سبيلا ، ولذلك قال القرآن الكريم: “ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" هذا حق المال ، وهناك حق هام جدًا وهو حق الوالدين وهو حق معنوي ، يقول سُبحَانَهُ: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" فأنت تَردُّ بعضَ حقِّهِمَا عليك ، والنبي (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) عندما سأله بعض صحابته فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ." فبعض الناس يظن أنه يمن على والديه، لا، لله الفضل والمنة وللوالدين عليك حق ، ولما رأى أحدُ الناس أحدَ أصحاب النبيِّ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) يحمل أمه على كتفه ويطوف بها حول الكعبة، قال : هذه أمك؟ قال نعم والله ما وفَّيتَها بعض حقها ولا بطلقة من طلقات الولادة ،كانت تحملك وانت صغير وتتمنى لك الحياة وربما يحملها البعض وهي عجوز لكنه يضيق بها وربما تمَنَّى لها غير ذلك ، مع أن الأمَّ بركة في الدنيا ورحمة في الآخرة يقول أبو فراس الحمداني وقد بلغه أن أمه قد ماتت وهو في الأسر:

أَيا أُمَّ الأَسيرِ لِمَن تُرَبّى

وَقَد مُتِّ الذَوائِبَ وَالشُعورُ

إِذا اِبنُكِ سارَ في بَرٍّ وَبَحرٍ

فَمَن يَدعو لَهُ أَو يَستَجيرُ

بِأَيِّ دُعاءِ داعِيَةٍ أُوَقّى

بِأَيِّ ضِياءِ وَجهٍ أَستَنيرُ

بِمَن يُستَدفَعُ القَدرَ المُوَقَى

بِمَن يُستَفتَحُ الأَمرُ العَسيرُ

إِذا اِبنُكِ سارَ في بَرٍّ وَبَحرٍ

فَمَن يَدعو لَهُ أَو يَستَجيرُ

ولما سأل أحد الناس نبينا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) قال: "ألك أم؟" قال: نعم، قال: "الزم قدميها فثم الجنة"، الأم دعائها رحمة ودعائها بركة، ولما كان أحد الناس يخدم أمه ويقوم على خدمتها ويُكرم لأجلها فلما ماتت سمع من ينادي "يا هذا ! ماتت التي كنا نكرمك من أجلها ؛ فانظر لنفسك عملًا آخر نكرمك من أجله"، على الإنسان أن يعلم أن خدمته لوالديه وأن بره بوالديه بركة في حياته ويوم أن يلقى ربه، فمن الحقوق حق المال حق الفقراء حق المساكين ، ومن الحقوق المعنوية حق الوالدين؛ نسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا من أهل الحق وأن يعمر حياتنا بالحق وأن يجعلنا ممن يسخو بأداء الحقوق لأصحابها طيبة بها نفوسهم غير ضانين ولا أشحاء ولا مقصرين ولا مبدلين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

موضوعات متعلقة