الإمام الأكبر أ.د محمد سيد طنطاوي.. عالم الوسطية وإمام التفسير وشيخ الأزهر الشريف رحمه الله
يُحيي المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ذكرى ميلاد شيخ الأزهر الراحل الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي – رحمه الله –
أحد أعلام الأزهر الشريف في القرن العشرين،
وعَلَم من أعلام الفكر الوسطي، والعلماء الذين جمعوا بين عمق الفقه ورحابة الفكر،
فكان نموذجًا للعالِم الأزهري الذي حمل رسالة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة،
ودافع عن قيم التسامح والاعتدال بعقلٍ مستنير وقلبٍ مفعم بالإيمان.
وُلد الإمام الأكبر أ.د/محمد سيد طنطاوي، في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1928م بقرية سليم الشرقية التابعة لمحافظة سوهاج، في بيتٍ أزهريٍّ محبٍّ للعلم والقرآن.
حفظ كتاب الله تعالى في صباه، وكانت أنوار القرآن هي الرفيق الأول في رحلته الطويلة مع العلم.
التحق بمعهد الإسكندرية الديني، ثم واصل دراسته العليا في كلية أصول الدين بالأزهر الشريف، وتخرج فيها عام 1958م، ليواصل مسيرة التميز العلمي حتى حصل على درجة الدكتوراه في التفسير والحديث الشريف بتقدير امتياز عام 1966م.
مسيرته العلمية والمناصب التي تقلّدها
بدأ فضيلة الشيخ طنطاوي حياته العملية إمامًا وخطيبًا ومدرسًا بوزارة الأوقاف عام 1960م، ثم التحق بعد ذلك بالتدريس في كلية أصول الدين سنة 1968م، ليغدو واحدًا من أبرز أساتذتها المرموقين.
وفي عام 1972م أُعير إلى الجامعة الإسلامية بليبيا، فكان سفيرًا للأزهر هناك حتى عام 1976م، ثم عاد إلى مصر ليُعيَّن عميدًا لكلية أصول الدين بأسيوط في العام نفسه.
وفي عام 1980م انتقل إلى المدينة المنورة ليعمل رئيسًا لقسم التفسير في الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، حيث ترك أثرًا علميًا راسخًا بين طلاب العلم في الحرمين الشريفين حتى عام 1984م.
ثم عاد إلى وطنه، فعُيّن مفتيًا للديار المصرية عام 1986م، فكان مفتيًا مجددًا واعيًا لقضايا العصر، جمع بين أصالة الفقه ومرونة الفهم، وأصدر خلال فترة توليه الفتوى أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة وسبعٍ وخمسين فتوى (7557)، تناولت قضايا الأمة والحياة المعاصرة بروح علمية وسطية.
وفي عام 1996م صدر القرار الجمهوري بتوليه مشـيخة الأزهر الشريف، ليصبح الإمام الأكبر وشيخًا لعلماء المسلمين، واستمر في موقعه حتى وفاته عام 2010م، مضيئًا سماء الفكر الإسلامي بخطابه المعتدل، ودعوته الدائمة إلى الحوار والتسامح، وتجديد الخطاب الديني بروح الأزهر ومقاصده الراسخة.
???? إنتاجه العلمي ومؤلفاته
تميّز الإمام طنطاوي بإنتاجٍ علمي غزير، جمع بين الأصالة والمعاصرة، والتعمق والبساطة، وكان من أبرز ما ألّف:
1. التفسير الوسيط للقرآن الكريم
وهو من أشهر أعماله، يقع في عدة مجلدات، ويُعد إضافة قيّمة في ميدان التفسير بأسلوبه الميسر الواضح.
2. بنو إسرائيل في القرآن والسنة
دراسة علمية تحليلية تناولت قضايا بني إسرائيل كما وردت في النصوص الشرعية، بعمق وبحث موثق.
3. معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي
تناول فيه قضايا التعايش والتعامل الإنساني في ظل الشريعة الإسلامية، مؤكدًا روح التسامح والعدل.
4. الاجتهاد في الأحكام الشرعية
عرض فيه منهجه الوسطي في الاجتهاد وفهم النصوص في ضوء مقاصد الشريعة.
5. أحكام القصاص في الشريعة الإسلامية
تناول فيه فلسفة العقوبة في الإسلام بمنهج علمي مؤصل.
وفاته وإرثه العلمي
وفي صبيحة العاشر من شهر مارس عام 2010م، رحل الإمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية، حيث وافته المنية في الرياض، ودُفن في البقيع الطاهر بجوار الصحابة الكرام.
رحل الجسد، وبقي الأثر، وبقيت كلماته شاهدًا على عصرٍ من التنوير والاعتدال، ورسالةً علمية خالدة من شيخٍ أزهريٍ حمل لواء الوسطية، وكتب بمداده صفحاتٍ مضيئة في تاريخ الأزهر الشريف.
وإذ يُحيي المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ذكراه العطرة ويحتفي بيوم مولده،
ليؤكد عزمه على مواصلة المسيرة في خدمة الفكر الوسطي المستنير،
ونشر ثقافة الحوار والتعايش،
وترسيخ رسالة الأزهر الشريف في بناء الإنسان،
وتجديد الوعي الديني بما يواكب روح العصر ويحفظ ثوابت الدين.
رحم الله الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي،
وجزاه عن الإسلام والأزهر والأمة خير الجزاء

