الرئيس السادات من قرية ميت أبو الكوم إلى منصّة المجد والشهادة

وُلد محمد أنور السادات في 25 ديسمبر عام 1918 بقرية ميت أبو الكوم التابعة لمحافظة المنوفية، في أسرة مصرية بسيطة مكوّنة من ثلاثة عشر أخًا وأختًا. منذ صغره، تميّز السادات بروح المغامرة والإصرار، وكان شغوفًا بالقراءة في التاريخ وسير الزعماء، ما صقل بداخله إحساسًا وطنيًا مبكرًا. التحق بالمدرسة الحربية وتخرّج منها عام 1938 ضابطًا في سلاح الإشارة، وهناك بدأت ملامح شخصيته السياسية والعسكرية تتشكل، خصوصًا بعد انخراطه في تنظيمات سرية مناهضة للاستعمار البريطاني.
خلال الأربعينيات، انضم السادات إلى مجموعة الضباط الأحرار التي كانت تُخطط لإنهاء الحكم الملكي، وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، أصبح أحد أبرز رجالها. تولّى مناصب متعددة منها وزير الدولة، ورئيس مجلس الأمة، ونائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وبعد وفاة عبد الناصر في سبتمبر 1970، تولّى السادات رئاسة الجمهورية، ليبدأ مرحلة جديدة من تاريخ مصر.
كانت سنوات حكم السادات حافلة بالأحداث المفصلية، لكن أعظمها كان قراره التاريخي بخوض حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 لاستعادة الأرض والكرامة الوطنية. في السادس من أكتوبر، قاد السادات مع جيشه واحدة من أعظم المعارك في التاريخ الحديث، حيث تمكّنت القوات المسلحة المصرية من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين، لتتحول الهزيمة إلى نصرٍ يعيد للعرب والعالم مكانة مصر وهيبتها.
ذلك القرار لم يكن عسكريًا فحسب، بل كان أيضًا سياسيًا بامتياز، إذ أعاد الثقة للشعب المصري والعربي، ومهّد الطريق لاحقًا لاستعادة سيناء بالوسائل الدبلوماسية عبر اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، التي وُقّعت بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية، واستعادت مصر بموجبها كامل أرضها حتى آخر شبر في طابا.
عرف السادات بشجاعته في اتخاذ القرار، وبتفرّده في الرؤية السياسية، سواء في الانفتاح الاقتصادي أو في إعادة بناء الدولة بعد سنوات من الحروب. كما حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1978 بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، تقديرًا لجهوده في إحلال السلام في الشرق الأوسط.
لكن رحلة المجد التي عاشها السادات انتهت باستشهاده في يوم 6 أكتوبر 1981، أثناء الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر في المنصة العسكرية بمدينة نصر، حين استشهد من أجل الوطن ورحل السادات جسدًا، لكنه ترك إرثًا خالدًا من الوطنية والشجاعة السياسية، ورسالة تقول إن «السلام لا يقل بطولة عن الحرب».
لقد عاش السادات حياة مليئة بالتحديات، من فلاح بسيط إلى زعيم قاد بلاده نحو التحرير والسلام، ليبقى رمزًا خالدًا في ذاكرة الوطن، بطل الحرب والسلام، الذي خطّ بدمائه آخر فصول البطولة المصرية.