نصر أكتوبر المجيد عبور العزة وتضحيات الشهداء

في السادس من أكتوبر عام 1973، دوّى في سماء مصر صوت النصر حين عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس واقتحمت خط بارليف المنيع في واحدة من أعظم ملاحم التاريخ الحديث. لم يكن ذلك اليوم مجرد معركة عسكرية، بل كان معركة وجود وإرادة، جسدت فيها مصر إرادة شعبها وكرامة أمتها بعد سنوات من الألم والانكسار عقب نكسة يونيو 1967.
بعد الهزيمة، بدأ الجيش المصري يعيد بناء نفسه من جديد، مدعومًا بإيمان الشعب وقيادته، فكانت حرب الاستنزاف التي أعادت الثقة للمقاتل المصري وأثبتت أن العدو ليس أسطورة كما كان يُروّج. ومع تولي الرئيس محمد أنور السادات الحكم، بدأ الإعداد للحظة الحاسمة التي تعيد لمصر كرامتها وأرضها، فكان القرار التاريخي بشن الحرب لاسترداد سيناء.
في الثانية ظهر السادس من أكتوبر، ومع نداء الله أكبر، انطلقت أكثر من مائتي طائرة مصرية في ضربة جوية مدهشة قادها اللواء طيار محمد حسني مبارك، لتدك مواقع العدو في عمق سيناء وتربك دفاعاته، وبدأت قواتنا البرية في العبور تحت غطاء نيراني كثيف من المدفعية المصرية التي فتحت نيرانها في وقت واحد على طول الجبهة. وخلال ساعات قليلة كانت المفاجأة كاملة، فقد عبر آلاف الجنود قناة السويس، وأقيمت الكباري بسرعة مذهلة، ورفرف العلم المصري على الضفة الشرقية للقناة، لتبدأ مرحلة جديدة من القتال داخل أرض سيناء.
تحطمت أسطورة خط بارليف الذي كان الإسرائيليون يصفونه بأنه لا يُقهر. كان الخط يتكون من سواتر ترابية وخنادق وأسمنت مسلح وأنظمة دفاعية معقدة، لكنه لم يصمد أمام إرادة المصريين الذين استخدموا خراطيم المياه لفتح الثغرات في الساتر الترابي في مشهد من أروع مشاهد الإبداع العسكري في التاريخ.
قاد الرئيس أنور السادات المعركة بثقة وإيمان، وأدار المشهد السياسي والعسكري بذكاء نادر، مستندًا إلى قيادة عسكرية رفيعة المستوى تمثلت في المشير أحمد إسماعيل علي، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية، الذي أدار العمليات بحنكة وحزم، وإلى الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس الأركان وصاحب الخطة الميدانية للعبور، الذي وضع التفاصيل الدقيقة لكل خطوة من خطة الهجوم. وكان التنسيق بين القوات الجوية والدفاع الجوي والبرية نموذجًا في الكفاءة والتنظيم، مما جعل العبور يتم بنجاح يفوق التوقعات.
وخلف هؤلاء القادة، وقف جنود مصر الأبطال الذين سطروا بدمائهم أغلى صفحات المجد، منهم من قاتل حتى الرمق الأخير، ومنهم من حمى الكباري تحت وابل من النيران، ومنهم من واجه الدبابات الإسرائيلية بصدور عارية وإيمان لا يتزعزع. كانت دماء الشهداء هي الحبر الذي كتب به النصر، وهم الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن ليبقى حرًا مرفوع الرأس.
لم يكن نصر أكتوبر نصرًا مصريًا فحسب، بل كان نصرًا عربيًا مشتركًا شاركت فيه الدول العربية دعمًا وسندًا، فقد فتحت الجبهات في سوريا، وساندت الدول العربية مصر سياسيًا واقتصاديًا، وكان سلاح البترول العربي الذي استخدمته السعودية ودول الخليج أحد عوامل الضغط الكبرى في المعركة السياسية المصاحبة للحرب.
غيّر نصر أكتوبر موازين القوى في المنطقة، وأثبت أن إرادة الشعوب أقوى من أي احتلال. أعاد لمصر مكانتها الإقليمية والعربية، وفتح الطريق أمام السلام واستعادة كامل أرض سيناء بعد مفاوضات شاقة، وأعاد الثقة إلى الأمة العربية التي رأت في مصر قلبها النابض ومصدر عزتها.
مرت الأعوام وبقي السادس من أكتوبر يومًا خالدًا في وجدان المصريين، يومًا للفخر والكرامة والوحدة الوطنية، تتجدد فيه مشاعر الانتماء ويقف فيه الجميع إجلالًا لأرواح الشهداء الذين صنعوا ببطولاتهم مستقبل هذا الوطن. لقد علمتنا حرب أكتوبر أن الإيمان بالله وبالوطن أقوى من السلاح، وأن المصري عندما يُدافع عن أرضه لا يعرف المستحيل.