حُماة الذاكرة.. أيادي الترميم تُعيد للحضارة المصرية روحها

في قلب المتحف المصري بالتحرير ينبض قسم الترميم وصيانة الآثار بروح العلماء والحرفيين معًا، حيث يشكّل هذا القسم الركيزة الأساسية في منظومة الحفاظ على التراث المصري القديم. فهنا لا تُعالج القطع الأثرية بوصفها مجرد حجارة أو أخشاب صامتة، بل تُعامل كذاكرة إنسانية حية، تحتاج إلى رعاية دقيقة وإحياء علمي يعيد لها قيمتها التاريخية والجمالية.
أخصائيو الترميم في المتحف لا يقتصر عملهم على معالجة التلف الفيزيائي، بل يرافقه توثيق شامل لكل خطوة، ليشكّل قاعدة بيانات غنية يستفيد منها الباحثون والمؤرخون. بهذا، يتحوّل القسم إلى مختبر علمي متكامل يجمع بين التقنيات الحديثة والخبرة التاريخية العريقة، ويضمن استمرار المعرفة للأجيال المقبلة.
ومن أبرز الشواهد على براعة هؤلاء المتخصصين، أعمالهم في صيانة وإعادة تركيب الرسم الجداري المنقول من المقبرة رقم 100 بمنطقة الكوم الأحمر بمحافظة قنا، والتي يعود تاريخها إلى ما يقرب من ستة آلاف عام. تُعد هذه المقبرة أقدم مقبرة معروفة في مصر تحتوي على رسومات ملونة، وقد نُقلت جدرانها إلى المتحف المصري عام 1898. وفي بدايات القرن العشرين تولى الخبراء مهمة إعادة بنائها وصيانتها بمنهجيات علمية دقيقة حافظت على استقرار مادتها الأصلية.
ويُظهر المشهد المرسوم قوارب أحدها بسقيفة تظلل شخصية يُرجّح أنها صاحب المقبرة، بينما يظهر في زاوية أخرى رجل يسيطر على ثلاثة أسرى مقيدين. تفاصيل تكشف أن المتوفى ربما كان حاكمًا أو من كبار النخبة، لتفتح نافذة لفهم أعمق للحقبة التي عاش فيها.
هكذا يبرهن قسم الترميم وصيانة الآثار بالمتحف المصري أن دوره لا يقتصر على معالجة الماضي، بل يمتد إلى صون ذاكرة الإنسانية ذاتها، ليبقى التراث المصري شاهدًا خالدًا على عبقرية الحضارة وصمودها.