الخميس 25 أبريل 2024 11:53 مـ 16 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

صورة من التحولات النفسية فى قلب وعقل الشعراء

الكاتب / محمد فاروق
الكاتب / محمد فاروق

يُعتبر الشعر توثيق للحالة النفسية للشاعر ، فما يكتبه الشاعر ما هو إلا نتاج ما يخالطه من أفكار ومشاعر أثرت فيه فعبر عما يجيش بصدره فى صورة شعرية.

وباختلاف الحالة النفسية والمزاجية للشاعر تختلف نظرته للأشياء من حوله وتتبدل مشاعره وتتطور أحاسيه ، وقد عرضت اليوم الحالة النفسية للشاعر التونسي الرقيق أبو القاسم الشابى بعد وفاة والده الذى كان له بمثابة الأخ والصديق والمُعلم وصاحب المشورة لديه فكتب قصيدته " يا موت " عبَّر فيها عن أحزانه ويأسه بأكثر الكلمات حزناً وإحباطاً ونكداً فنجده يقول :

يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري وقَصَمْت بالأَرزاءَ ظَهْرِي

وفَجَعْتَني فيمَنْ أُحِبُّ ومنْ إليهِ أَبُثُّ سرِّي

وأَعُدُّهُ فَجْرِي الجميلَ إِذا ادْلَهَمَّ عليَّ دَهْري

وَرَزَأْتَني في عُمْدَتي ومَشُورَتي في كلِّ أمْرِ

وهَدَمْتَ صرحاً لا أَلوذُ بغيرِهِ وهَتَكْتَ سِتْرِي

وَفَقَدْتُ كفًّا في الحَيَاةِ يصُدُّ عنِّي كلَّ شرِّ

وتَرَكْتَني في الكائناتِ أَئِنُّ منفرداً بإِصْرِي

وأَجوبُ صحراءَ الحَيَاةِ أَقولُ أَيْنَ تُراهُ قبْرِي

إنْ كنتَ تطلبُني فهاتِ الكأسَ أَشربُها بصَبْرِ

أَو كنتَ ترقُبُني فهاتِ السَّهمَ أَرشُقُهُ بنَحْرِي

خذني إليكَ فقد تبخَّرَ في فضاءِ الهمِّ عُمْرِي

خذني فما أَشقى الَّذي يقضي الحَيَاة بمِثْلَ أَمْرِي

يَا مَوْتُ نفسي ملَّتِ الدُّنيا فهلْ لم يأْتِ دوْرِي

وبعد مرور الأيام وتتابع الشهور قلَّ الشعور بالحزن وتبددت مشاعر اليأس وبدأت نفسه تتوق لمفاتن الحياة وبهجتها فهَّم بكتابة هذه القصيدة يحكى فيها عن تحول حالته من اليأس إلى الأمل ومن الحزن إلى البحث عن السعادة فى صورها المتعددة وأشكالها المختلفة ليوضح بنفسه حالة التضاد بين حالته بعد فقد أبيه وما صارت إليه نفسه بعد مرور فترة من الزمن فأنشد يقول :

مَا كنتُ أَحْسَبُ بعدَ موتكَ يا أَبي ومشاعري عمياءُ بالأَحزانِ

أَنِّي سأَظمأُ للحياةِ وأَحتسي مِنْ نهْرِها المتوهِّجِ النَّشوانِ

وأَعودُ للدُّنيا بقلبٍ خافقٍ للحبِّ والأَفراحِ والأَلحانِ

ولكلِّ مَا في الكونِ من صُوَرِ المنى وغرائِبِ الأَهواءِ والأَشْجانِ

حتَّى تَحَرَّكَتِ السُّنونُ وأَقبلتْ فِتَنُ الحَيَاةِ بسِحْرِها الفتَّانِ

فإذا أَنا مَا زلتُ طفلاً مُولَعاً بتعقُّبِ الأَضواءِ والأَلوانِ

وإذا التَّشاؤُمُ بالحَيَاةِ ورفضُها ضرْبٌ من البُهْتانِ والهَذَيانِ

إنَّ ابنَ آدمَ في قرارَةِ نفسِهِ عبدُ الحَيَاةِ الصَّادقُ الإِيمانِ