المتحف الزراعي المصري ذاكرة الريف وتاريخ الزراعة في قلب القاهرة
يُعد المتحف الزراعي المصري من أقدم وأهم المتاحف الزراعية في العالم، فهو ليس مجرد مكان للعرض، بل سجل تاريخي وثقافي يحكي تطور الزراعة المصرية منذ فجر التاريخ وحتى العصر الحديث. يقع المتحف في حي الدقي بمحافظة الجيزة، وكان في الأصل قصرًا للأميرة فاطمة إسماعيل ابنة الخديوي إسماعيل، قبل أن يتحول في ثلاثينيات القرن الماضي إلى صرح ثقافي علمي فريد بأمر من الملك فؤاد الأول.
افتُتح المتحف رسميًا عام 1938 ليكون ثاني متحف زراعي في العالم بعد المتحف الزراعي في بودابست، وليصبح مرجعًا علميًا يوثق تاريخ الزراعة في مصر التي كانت وما زالت مهد الحضارة الزراعية منذ آلاف السنين. يضم المتحف عددًا من القاعات والأقسام التي تعكس تنوع البيئة المصرية، منها قاعات النبات والحيوان والري والبيئة الريفية، إضافة إلى جناح خاص بالنيل ودوره في الزراعة والحياة المصرية، وجناح آخر عن الزراعة المصرية في العصور الفرعونية واليونانية والرومانية والإسلامية.
يُعد المتحف بمثابة موسوعة بصرية توثق علاقة المصري القديم بالأرض والماء والنبات، فهو يجمع بين التاريخ والعلوم الطبيعية والفنون التراثية، ويعرض أدوات الزراعة القديمة، والآلات التي استخدمت في الري والحصاد، ونماذج مصغرة تمثل البيوت الريفية والحياة اليومية للفلاح المصري في مختلف العصور. كما يضم المتحف مجموعة نادرة من الحبوب والبذور المحنطة التي تعود إلى آلاف السنين، ما يجعله شاهدًا على عبقرية المصري القديم في الحفاظ على الموارد الزراعية.
شهد المتحف الزراعي خلال العقود الماضية مراحل متعددة من التطوير والتجديد، بهدف الحفاظ على مقتنياته التاريخية وتقديمها بصورة علمية وثقافية حديثة تواكب تطلعات الأجيال الجديدة. كما يسهم في نشر الوعي الزراعي والعلمي لدى الطلاب والباحثين والزائرين، ويعد وجهة ثقافية وتعليمية تعكس روح الريف المصري وجمال الطبيعة وعمق العلاقة بين الإنسان والأرض.
إن المتحف الزراعي المصري ليس مجرد مبنى يضم مقتنيات، بل هو حكاية مصر الزراعية التي بدأت على ضفاف النيل واستمرت عبر العصور، تؤكد أن الزراعة كانت وما زالت ركيزة الحضارة المصرية، وأن هذا المتحف سيظل شاهدًا على تاريخها الممتد عبر الزمن.

