أحمد شوقي أمير الشعراء رحلة شاعر من مجد الكلمة إلى مقابر الخالدين
يُعد أحمد شوقي (1868–1932) أحد أعظم أعلام الأدب العربي في العصر الحديث، وقد استحق عن جدارة لقب «أمير الشعراء» لما قدمه من إبداع شعري متنوع جمع بين الأصالة والتجديد، وامتد تأثيره ليشمل الشعر الوطني، والتاريخي، والمسرح الشعري، و المدائح النبوية، ليصبح علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي.
من أبرز ما تركه شوقي في الوجدان العربي والإسلامي قصيدته الخالدة «نهج البردة»، التي عارض بها بردة الإمام البوصيري، فجاءت قصيدة تجمع بين جزالة اللفظ وسمو المعنى وصدق العاطفة. وقد عبّر شوقي فيها عن حب عميق للنبي ﷺ، مؤكداً أن مدائحه النبوية لم تكن تقليدًا شعريًا، بل نابعة من وجدان صادق، وهو ما جعل «نهج البردة» واحدة من أعظم قصائد المديح النبوي في العصر الحديث.
ارتبط أحمد شوقي بعلاقة وثيقة مع شاعر النيل حافظ إبراهيم، جمعت بين الصداقة الصادقة والتقدير الأدبي المتبادل. ورغم اختلاف الأسلوب بينهما، فإن كليهما شكّل مع الآخر ثنائيًا شعريًا عبّر عن هموم الوطن واللغة والهوية. وقد آثر شوقي أن يُدفن لاحقًا بالقرب من صديق عمره حافظ إبراهيم، في دلالة رمزية على عمق هذه العلاقة التي لم تنقطع بوفاة أحدهما.
كان شوقي وفيًّا لرواد النهضة الشعرية، وعلى رأسهم محمود سامي البارودي، الذي يُعد أستاذ الجيل ومجدد الشعر العربي. وعندما رحل البارودي، رثاه شوقي بقصائد مؤثرة، عبّر فيها عن مكانته ودوره الريادي، مؤكداً أن الشعر العربي فقد برحيله أحد أعمدته الكبرى، وهو ما يعكس وعي شوقي بقيمة السلسلة الأدبية التي ينتمي إليها.
عقب وفاة أحمد شوقي عام 1932، تم دفنه في مقابر السيدة نفيسة بالقاهرة، وهي منطقة تحمل ثقلًا روحيًا و تاريخيًا كبيرًا، وتضم رفات العديد من رموز مصر. وجاء دفنه هناك ليكون قريبًا من صديقه حافظ إبراهيم، في مشهد يجسد تلاقي الشعر والصداقة حتى بعد الرحيل.
تم نقل رفات أمير الشعراء أحمد شوقي لاحقًا إلى مقابر الخالدين، باعتبارها موقعًا يضم كبار الشخصيات التي أثرت في تاريخ الوطن. ولم يقتصر الأمر على نقل الرفات فحسب، بل شمل أيضًا ترميم مقبرته و تركيبته المعمارية، مع الحفاظ على طابعها التراثي المميز، في خطوة تعكس احترام الدولة والمجتمع لقيمة شوقي ومكانته في الذاكرة الوطنية ومن العظيم في الأمر دور المرممين العظام في ترميم العناصر الفنية للتركيبة التاريخية وتحية للمهندس احمد فتحي شركة ابداع و الاستاذ محمود البحيري وفريق عمل المرممين الذين حافظوا علي تاريخ امير الشعراء.
هكذا تمتد رحلة أحمد شوقي من قصور الشعر ومجالس الأدب إلى مثواه الأخير بين الخالدين، رحلة تؤكد أن الكلمة الصادقة لا تموت، وأن الشعر الحقيقي يظل حيًا في الوجدان، تمامًا كما بقي أمير الشعراء رمزًا للهوية واللغة والجمال، وشاهدًا على عصرٍ صاغ فيه بالكلمة تاريخًا لا يزول.


