حياة الملكة فريدة ورحلة رفاتها بين مقابر الامام الشافعي ومسجد الرفاعي

ولدت صافيناز ذو الفقار في الخامس من سبتمبر عام 1921 بمدينة الإسكندرية، ونشأت في أسرة ذات مكانة اجتماعية مرموقة. دخلت عالم القصور الملكية حين تعرّف إليها الملك فاروق أثناء إحدى رحلاته الأوروبية، وسرعان ما تحوّل اللقاء إلى ارتباط رسمي أعلن في يناير 1938، لتصبح الملكة فريدة، بعد أن استبدلت اسمها وفق تقاليد العرش التي تفرض أن تبدأ أسماء الملكات بحرف الفاء.
ارتبط اسم فريدة في وجدان المصريين بصورة الملكة الشابة التي أضفت لمسة من الحيوية على حياة القصر، ورافقت الملك في المناسبات الرسمية والخيرية، وكانت أيقونة للحداثة والرقي. أنجبت ثلاث بنات هن فريال وفوزية وفادية، لكن حياتها الزوجية لم تخلُ من التوتر، إذ سرعان ما عصفت بها الخلافات السياسية والشخصية، لينتهي الزواج بالطلاق في ديسمبر 1948، في حدث صاخب أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الملكية والشعبية.
بعد الانفصال، اختارت فريدة الابتعاد عن أضواء القصر واتجهت إلى الفن التشكيلي، فوجدت في الرسم مساحة للتعبير عن مشاعرها وتجاربها الخاصة. عرضت أعمالها في مصر وخارجها، واستطاعت أن تفرض اسمها كفنانة تشكيلية لها أسلوبها الخاص. لم تتزوج مرة أخرى، وظلت سنواتها التالية مزيجًا من الهجرة والعودة، بين أوروبا ومصر، لكنها احتفظت دائمًا بهويتها كفنانة وأم لثلاث بنات.
في أكتوبر 1988 رحلت الملكة فريدة عن الحياة بعد صراع مع المرض، ودُفنت في البداية بمقابر عائلة ذو الفقار داخل جبانة الإمام الشافعي بالقاهرة. وقد مثّل وجودها في هذا المكان العريق بعد رحيلها حالة من المفارقة اللافتة، إذ ضمّت الجبانة رموزًا وطنية وسياسية وفنية بارزة، فأصبحت الملكة السابقة جزءًا من هذا النسيج التاريخي والاجتماعي للقاهرة القديمة. كان قبرها في الامام الشافعي شاهدًا على امتزاج الماضي الملكي بالذاكرة الشعبية، حيث تلتقي مقابر الملوك السابقين بأضرحة الأولياء والعلماء والفنانين، في مشهد فريد يجمع بين السلطة والروحانية والهوية الشعبية.
لكن رحلتها لم تتوقف عند هذا الحد، ففي الرابع عشر من فبراير عام 2022، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على وفاتها، جرت مراسم نقل رفاتها من جبانة الإمام الشافعي إلى جامع الرفاعي، حيث يرقد ملوك وأمراء الأسرة العلوية. وتمت المراسم بحضور محدود من أفراد العائلة و المقربين.
إن سيرة الملكة فريدة تظل شاهدة على مفارقات التاريخ المصري الحديث، فهي ليست مجرد زوجة ملك سابق، بل امرأة خاضت رحلة شاقة بين الألقاب والخصوصية، وبين الشفافية الفنية وصخب السياسة. ونقل رفاتها إلى الرفاعي لم يكن مجرد حدث جنائزي، بل إعادة لترتيب صورتها داخل الذاكرة الوطنية، لتبقى جزءًا من قصة مصر التي لا تزال تتجدد في الذاكرة والوجدان.