آثار منطقة كوم الناضورة بالإسكندرية

في قلب الإسكندرية وعلى تل بيرتفع حوالي خمسة وعشرين متر بيتكشف قدامنا موقع مميز اسمه كوم الناضورة، المكان اللي زمان كان معروف بكوم وعلة نسبة لعبد الرحمن بن وعلة أحد التابعين المدفونين هناك، واللي بيضم كمان قبور لعلماء كبار زي الحافظ السلفي وأبو بكر الطرطوشي، والمميز إن المقبرة دي كانت الوحيدة في العالم اللي جمعت رفات ثلاثة أئمة من المذاهب الأربعة الإسلامية وده بيأكد قد إيه المكان كان له قيمة دينية وعلمية كبيرة. ومع مرور الزمن التل ده شاف مراحل مختلفة من التاريخ، ففي العصور الوسطى كان بمثابة منارة طبيعية بيوجه بيها البحارة سفنهم، وبعد ما انهارت منارة الإسكندرية القديمة اتبنى عليه برج جديد في القرن الرابع عشر عشان يكون بديل لها، وأحد الرحالة الأندلسيين وصف إزاي الناس كانوا بيطلعوا التل يتنزهوا ويتأملوا البحر قبل ما يتحول لبرج مراقبة رسمي.
وفي العصر الفاطمي اتعمل عليه برج لمراقبة السفن اللي كانت داخلة الميناء الغربي، وبعدها أيام الحملة الفرنسية نابليون بنا عليه طابية كافاريللي كتحصين عسكري واتحطت فيه ستة مدافع ومتاريس كجزء من منظومة الدفاع، وبعدها محمد علي باشا حول المكان لمرصد فلكي صغير وأضاف صهريج للمياه عشان يخدم الحامية. لكن المشهد اتغير تمامًا سنة 1926 في عهد الملك فؤاد الأول لما اتبنى البرج الحالي، برج ثماني الأضلاع بيرتفع حوالي أربعة وعشرين متر ونص، أربع طوابق بدرج حلزوني خشبي وشرفات مسننة ونوافذ معقودة، واللي من فوقه ممكن تبص وتشوف مشهد بانورامي ساحر بيلم أهم معالم الإسكندرية قلعة قايتباي وقصر رأس التين والميناء الغربي وعمود السواري.
لكن كوم الناضورة مش مجرد برج، ده مكان مليان طبقات من التاريخ، فيه ثكنات عسكرية قديمة وبرج كرة الزوال الحديدي اللي كان بيُستخدم زمان لتحديد وقت الإفطار في رمضان وصهريج مياه، وكمان اتنقلت ليه مدافع من الدخيلة واتحطت حواليه كأنها لسة بتحمي طوابي الإسكندرية. والمكان كمان بيضم دلوقتي مقر للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية في الإسكندرية ومعاه مركز تدريب لقطاع آثار غرب الدلتا، وفوق ده كله المنطقة حوالين التل فيها صهاريج أثرية وحمامات قديمة وأساكل الغلال اللي لسه بتحافظ على جزء من سور المدينة وباب صغير نادر جدًا من العصر الإسلامي اسمه باب الخوخة اللي مالوش مثيل في أي مدينة مصرية تانية.
المكان بيحكي تاريخ المدينة كلها من غير ما ينطق. علشان كده جه وقت إننا نرجع نسلط الضوء على الموقع ده ونشوفه مش بس كأثر مهمل لكن كحكاية مستمرة بتتجدد في الإسكندرية.