الأميرة فاطمة إسماعيل وأحمد باشا المنشاوي رموز وطنية صنعت تاريخ الجامعة المصرية

لم يكن إنشاء الجامعة المصرية عام 1908 مجرد مشروع تعليمي، بل كان حدثًا وطنيًا عظيمًا ارتبط بتضحيات شخصيات بارزة آمنت بأن التعليم هو السبيل إلى بناء الوطن. ومن أبرز هؤلاء الأميرة فاطمة إسماعيل و أحمد باشا المنشاوي، اللذان جسّدا قيمة العطاء الوطني في زمن كان الاحتلال البريطاني يحاول السيطرة على مقدرات الأمة.
في لحظة فارقة من تاريخ الجامعة الوليدة، تقدمت الأميرة فاطمة إسماعيل، ابنة الخديوي إسماعيل، بمبادرة غير مسبوقة. إذ أهدت للجامعة قطعة أرض واسعة بلغت مساحتها ستمائة فدان بالجيزة ليقام عليها الحرم الجامعي. ولم تكتفِ بذلك، بل تبرعت بمجوهراتها الخاصة التي بيعت في مزاد علني، وذهب ريعها كاملاً لصالح الجامعة. هذا الموقف البطولي وثّقته الصحافة المعاصرة، حيث نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم 3 يوليو 1908 خبر التبرع الرسمي، مؤكدة أن خطوة الأميرة تمثل نقلة نوعية في مشاركة المرأة المصرية في الشأن العام. كما وردت تفاصيل تبرعاتها في محاضر مجلس إدارة الجامعة المصرية (1908 – 1910) المحفوظة بأرشيف جامعة القاهرة، وهو ما جعل المثقفين والطلبة يلقبونها لاحقًا بـ "الأم الجامعة".
أما أحمد باشا المنشاوي، أحد وجهاء مصر البارزين وعضو الصف الوطني الذي آمن بالتعليم كقوة نهضة، فقد ورد اسمه في محاضر الجامعة المصرية لسنة 1910 ضمن قائمة كبار المتبرعين. وأكد المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "تاريخ الحركة القومية" أن المنشاوي باشا كان من الشخصيات الوطنية التي دفعت بسخاء في سبيل استمرار الجامعة. كما أشار إلى دوره في دعم استقلال الجامعة عن الهيمنة البريطانية، معتبرًا أن مساهمته لم تكن مالية فقط، بل كانت تعبيرًا عن وعي سياسي وثقافي بضرورة تأسيس مؤسسة تعليمية مصرية حرة.
إن الدورين، رغم اختلاف طبيعتهما، تكاملا ليضعا الجامعة المصرية على الطريق الصحيح. فقد وفرت الأميرة فاطمة إسماعيل الأساس المادي من أرض ومجوهرات، فيما قدم أحمد باشا المنشاوي ومعه نفر من كبار الوطنيين السند المالي والمعنوي لمشروع التعليم العالي. ومن هذا التلاقي بين جهود الرجال والنساء نشأت الجامعة المصرية، التي أصبحت فيما بعد جامعة القاهرة، أول صرح تعليمي وطني حديث في مصر والشرق الأوسط.
إن الوثائق التاريخية – من محاضر الجامعة المصرية (1908–1914)، وعدد جريدة الأهرام في 3 يوليو 1908، ومؤلفات عبد الرحمن الرافعي – تؤكد أن الجامعة لم تكن لتولد وتستمر لولا هذه المبادرات الوطنية. ولعل استحضار هذه النماذج اليوم يذكّرنا بأن النهضة لا تصنعها الحكومات وحدها، بل يصنعها وطنيون مخلصون يضعون ثرواتهم ونفوذهم في خدمة أمتهم.
وهكذا، يظل اسم الأميرة فاطمة إسماعيل وأحمد باشا المنشاوي محفورًا في ذاكرة الجامعة المصرية، شاهدين على زمن اجتمع فيه حب الوطن مع إرادة النهضة.