مانجو المنشاوي ثمرة وطنية قبل أن تكون زراعية

يحتفظ تاريخ الزراعة المصرية بقصص ارتبطت بأسماء رجالاتها الكبار، ومن بين تلك القصص تتجلى حكاية "مانجو المنشاوي" التي تعكس التقاء الوطنية بالزراعة، والصداقة بالنهضة.
يُروى أن الزعيم الوطني أحمد عرابي، قائد الثورة العرابية وحامل لواء الكرامة المصرية في أواخر القرن التاسع عشر، قد أهدى صديقه أحمد باشا المنشاوي شتلات من شجرة المانجو. لم تكن تلك الهدية مجرد ثمار، بل كانت بذورًا لمستقبل زراعي جديد. فزرعها المنشاوي في مزرعته العامرة بقرية القرشية مركز السنطة بمحافظة الغربية لتصبح تلك الأرض من أوائل البقاع التي احتضنت المانجو في مصر.
وتؤكد مذكرات أحمد عرابي هذه الواقعة، إذ كتب أنه أرسل إلى صديقه المنشاوي "تقاوي تكفي لزرع عشرين فدانًا"، و أرفق معها أجود أنواع المانجو والموز الأحمر والأصفر المضلع، في خطوة هدفت إلى نشر زراعة هذه الأصناف الجديدة في البلاد.
ومع مرور السنوات، ذاع صيت تلك المزرعة، وأصبح اسمها مرتبطا في الذاكرة الشعبية بثمرة "مانجو المنشاوي"، التي لم تكن مجرد محصول، بل رمزا للبدايات الأولى لتجربة زراعية فارقة في تاريخ مصر.
أما أحمد باشا المنشاوي، فكان أحد أبرز أعيان طنطا وأغنى ملاكها، عُرف بسيرته الطيبة و أياديه البيضاء، فأسس مدارس ومستشفيات، وكان بيته مقصدًا للوجهاء ورجال الدولة. جمع بين الثروة والعمل الخيري، وبين المكانة الاجتماعية والانتماء الوطني، و دُفن في مسجده بمدينة طنطا.
وأما الزعيم أحمد عرابي وقف أمام الخديوي توفيق وقائد الثورة العرابية ، وقد دفن في جبانة الإمام الشافعي بالقاهرة، بالقرب من رفيق دربه الشاعر ورئيس الوزراء محمود سامي البارودي باشا، وإلى جوار الدكتور محمد عبد السميع بك طبيب الثورة العرابية وعدد من رموز الدولة الوطنية، فضلًا عن أولياء الله الصالحين وبالقرب من مسجد الإمام الليث بن سعد وقبر الإمام ورش.
إن قصة "مانجو المنشاوي" تكشف كيف التقت الإرادة الوطنية بالرؤية الزراعية لتصنع تاريخًا، وكيف تحولت شتلات قليلة أهديت بين صديقين إلى إرث زراعي خالد، ما زال أثره ممتدًا حتى اليوم.