تاريخ مسجد الإمام الشافعي وجنازته من كتاب الأمير التركي المصري مصطفي منير ادهم

يُعد مسجد وضريح الإمام الشافعي واحدًا من أهم المعالم الدينية والتاريخية في مصر الإسلامية، إذ ارتبط اسمه بالإمام محمد بن إدريس الشافعي (150–204 هـ) الذي حلّ بمصر في 28 شوال سنة 198 هـ، وأقام بها خمس سنوات وتسعة أشهر، حتى وافاه الأجل في 29 رجب 204 هـ.
تروي المصادر ومنها محاضرة الأمير التركي المصري مصطفى منير أدهم التي ألقاها عام 1928 بدار الجمعية الجغرافية الملكية وطُبعت على نفقة عبد الرحيم باشا الدمرداش وتحكي المصادر بأن الإمام الشافعي لما اشتد به المرض، لزم بيته بالقاهرة القديمة، وكان يتردد عليه تلميذه الإمام المزني. وفي ليلة الجمعة 30 رجب 204 هـ، وبعد صلاة العشاء، فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.
شيّع أهل مصر جنازته في موكب مهيب خرج من بيته، وسار عبر شوارع الفسطاط حتى وصل إلى درب السباع (شارع السيدة نفيسة حاليًا) وهناك، أمرت السيدة نفيسة رضي الله عنها بإدخال النعش إلى دارها، فصلّت عليه بنفسها وقالت: “رحم الله الشافعي، كان يحسن الوضوء”. ثم واصل المشيعون السير حتى وصلوا إلى القرافة الصغرى، حيث تربة بني زهرة، فدُفن في مقبرة آل ابن عبد الحكم، الموضع المعروف اليوم بجبانة الإمام الشافعي.
أحاطت ضريح الإمام عناية الملوك والسلاطين عبر القرون، فحاول الخليفة الفاطمي المستنصر بالله نقل رفاته إلى بغداد، غير أن محاولة بدر الدين الجمالي فشلت بعدما أعجزت الرائحة العطرة العمال عن إتمام المهمة. ومنذ ذلك الحين، لازمت عادة زيارة قبر الإمام أهل مصر لأربعين يومًا متتالية.
في عصر صلاح الدين الأيوبي أُنشئت المدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام لتدريس مذهبه، وأوقفت عليها أراضٍ بجزيرة الفيل (بدران بشبرا). ومع مرور السنين، دُفن بجوار الإمام بعض أفراد الأسرة الأيوبية، مثل العزيز عثمان وأمه شمسة، وكذلك والدة الملك الكامل. وأمر الملك الكامل ببناء خلاوي للصوفية وحمام حول القبة مع جلب المياه من النيل.
وفي العصر المملوكي، جدّد السلطان قايتباي القبة. ثم جاء عبد الرحمن كتخدا في العصر العثماني فأنشأ مسجدًا كبيرًا على أنقاض المدرسة الناصرية. وتتابعت الإصلاحات: علي بك الكبير غيّر الميضأة، محمد علي باشا نقل المياه من القلعة، والخديوي إسماعيل مدّ أنابيب المياه. كما أنشأ مصطفى رياض باشا حنفية لخدمة الأهالي، ثم جدد الخديوي توفيق المسجد ووسّعه بعد وضع الرسوم الهندسية المعتمدة من ديوان الأوقاف.
يُعد كتاب «رحلة الإمام الشافعي» للأمير مصطفى منير أدهم من أعمق الدراسات التي تناولت سيرة الإمام، حيث سلّط الضوء على رحلاته العلمية، وتأثير مصر في أفكار مذهبه الجديد وقد سجّل المؤلف تفاصيل دقيقة عن وفاة الإمام الشافعي وجنازته، مما يعكس دقته وحرصه على التوثيق.
ولشدة تعلق الأمير التركي المصري مصطفي منير ادهم بالإمام، أوصى أن يُدفن بجواره، فدُفن بالفعل في شارع الطحاوية بجوار المسجد الكبير. وهكذا ارتبط اسمه بمقبرة تضم نخبة من كبار العلماء والأولياء، مثل الإمام المزني، والإمام ورش، ووكيع، لتظل تلك البقعة شاهدًا على تاريخ فقهي وروحي عريق.