محمد راتب باشا سردار الجيش المصري الذي خلدته العمارة والذاكرة الوطنية

يُعد محمد راتب باشا واحدًا من أبرز القادة العسكريين في مصر خلال عهد الخديوي إسماعيل، وقد ترك أثرًا واضحًا في التاريخ الوطني، سواء من خلال دوره في الجيش أو عبر بصماته السياسية والعمرانية.
كانت مقبرة راتب باشا قائمة في منطقة الإمام الشافعي قبل أن يُنقل مبناها بالكامل إلى منطقة التونسي. وقد تميزت بطابعها المعماري الفريد الذي يجسد ملامح العمارة الجنائزية الإسلامية في القرن التاسع عشر. تضم المقبرة ثلاثة شواهد وتراكيب جنائزية تخص راتب باشا وأسرته، ويبرز بينها الشاهد الرئيسي الذي نُقشت عليه آية الكرسي، في دلالة رمزية على الحفظ والحماية الروحية.
لم يقتصر دور راتب باشا على القيادة العسكرية، بل امتد إلى العمل الوطني والعلمي. فقد تبرع بأحد قصوره ليكون مقرًا لـ الجمعية الجغرافية المصرية، بينما أوقفت زوجته كليبير الجركسية القصر والأراضي التابعة له وقفًا دائمًا للجمعية قبل وفاتها.
ولا يزال اسمه حاضرًا في الإسكندرية عبر سوق راتب باشا، فضلًا عن مدرسة برأس التين كانت في الأصل قصره عندما تولّى منصب محافظ المدينة سنة 1854.
من بين مقتنيات متحف قصر عابدين، توجد النياشين التي حصل عليها محمد راتب باشا، إلى جانب صورتين شخصيتين له، وهو ما يعكس مكانته الرفيعة. كما تكشف مذكرات أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديوي عباس حلمي الثاني، عن دوره السياسي البارز، إذ كُلّف بمهمة حساسة في الآستانة للقاء السلطان العثماني، في إطار مساعي إعادة الخديوي إسماعيل إلى مصر، مما يعكس ثقة الدولة به.
ارتبط اسمه بالحملة المصرية والعثمانية على الحبشة أواخر القرن التاسع عشر، وهي إحدى المحطات الفاصلة في تاريخ المنطقة. وقد خلدته الذاكرة العسكرية كأحد قادة الجيش الذين مثلوا قوة الدولة وهيبتها.
ليست مقبرة محمد راتب باشا مجرد مدفن، بل وثيقة معمارية وتاريخية تجسد سيرة قائد عسكري وطني جمع بين الدور العسكري والسياسي والعمراني، وظل اسمه حاضرًا في وجدان مصر خلال القرن التاسع عشر وما بعده.