رسالة عبر الخاص.. بقلم - أميرة عبد الباري

جلست والخوف بعينيها " تتأمل " ولكن ليس "الفنجان المقلوب" كما تغنى الراحل عبد الحليم حافظ، بل تلك الرسالة المؤلمة التي استقبلتها في وقت متأخر من الليل ، والشمس تنسج أشعتها استعداداً للشروق ، من شخص كان في يوم من الأيام بمثابة "الملاذ" الذي أوت إليه ، أو الأمان في وسط العواصف كما لقبته وسط أقرانها ، فقد كانت تعتبره أعز عليها من روحها ، بل من الناس أجمعين.
كم كانت مخطئة حين فتحت عيناها على مصراعيهما على فتارين الأحلام ،لتتعلق بسقف أعلى منها فتهوى أرضاً عوضاً عن المضي قِدماً و بناء حائط لتستند عليه.
تلك الرسالة التي قلبت موازين حياتها رأساً على عقب ، لتجعلها تزيل الغشاء عن أعينها لترى حقيقة الأمور ، سيما أنها كانت بحاجة لامعان النظر في العلامات التي تراها ، ولكنها كانت تتغافل ، إذ كشفت له عن جرحها لتُبين له كم هو غائراً ليساعدها في مداواته ، إلا أنه فاجئها بكبريائه حين تحدث بهيئة طاغية وجثم على صدرها ، ليعطيها درساً أبت نفسها على تحمله ، مما جعلها تضع خطاً فاصلاً بين شقوق الماضي ، والمستقبل المجهول على السواء.
باتت تصارع الأفكار بداخلها ، وكأن تلك الرسالة تصاحبها طوال الليل ، وصداها يتردد في عقلها ووجدانها ، حتى استيقظت على آذان الفجر الصادح تكاد تُجن من الغضب ؛ وكأن الكون على وسعه لا يسعها ، لا تدري ماذا فعلت ؟ تلوم نفسها عما آلت إليه الأمور من صدمة هزت شخصيتها وكيانها.
شيئاً ما بداخلها انطفأ ، ولكنها قررت أن تمضي بدروبها دون الحاجة لأطواق النجاة ، تلك التي كان يُهيأ لها من فرط طيبتها أنها سُترة الشفاء ، لقد وضعت نصب أعينها قول الفيلسوف الروماني "ماركوس أورليوس" في كتابه "تأملات" ، والذي كان يمر عليها مرور الكرام ، الآن أصبحت بحاجة ماسة إلى تذكره وهو يقول فيما معناه : "تذكر أنك لا تعيش في جنة، وإنما تعيش على الأرض ومع البشر، وإن من بين هؤلاء البشر الصالح والطالح، العالم والجاهل، الفظ الخشن والهيّن الليّن.. وهذه هي طبيعة الحياة وطبيعة الناس وطبيعة الأشياء، فتوقع أي تصرف من هؤلاء بناءً على الطبيعة التي رُكِّبوا عليها ، فإن ساءك أحد فلا تحزن بدرجة مبالغ فيها، وكيِّف الأمر بأن هذه الإساءة متوقعة من أي إنسان، ومتوقع أن تحدث لك طالما أنك خرجت من بيتك ، وتعاملت مع البشر ، فإنك إن توقعت ذلك لم تستغربه، وسهل عليك التعامل معه".
لقد أعادت اكتشاف ذاتها ، وتركت نسختها القديمة حين أدركت أنها تستحق السلام بدلاً من الحرب ، وأن قوتها تنبع من داخلها ، لا من منصب ولا نفوذ أو جاه وسلطان ، ولكن من إنصاف النفس والإيمان بها ، وتحريكها نحو فعل نبيل ذا أثر عظيم ، تفرضه كل قواعد الأرض ، لا يناله إلا صاحب قلب سليم ، وهدف عظيم يرافقه عمل دؤوب.
كانت فرحتها بحجم حزنها ، وهي تراه على شاشة التلفاز واقفاً على قدميه ، ولكن ..! هُيئ لها أنه يتكئ على عصا كأنها ذراع كل من لجأ إليه، وفي الجهة اليسرى رأت توفيق الله ، وقالت في لهجة واثقة : "هذه العصا ستظل سندك الأبدي لا يمكنك أن تُجازف وتتخلص منها كما فعلت معي ، أكاد أُجزم أنها قدرك الذي لا يمكنك الهروب منه ، بيدك أن تضعفها لتُصبح هشة ، أو تجعلها صلبة قادرة على حملك".
واردفت "وإني لأعدك في تلك الرواية الصغيرة بأني لم أعد تلك الحمقاء ، وهذه المرة هي الوحيدة التي ستتحرى فيها مني ومن قيودي ، فإن أقوى الناس من قوي على نفسه ، وكما قيل خالف هواك فإنَّ الهوى يقود النفس إلى ما يعاب".