ذكري ميلاد ورحلة الخديوي إسماعيل من المسافر خانة إلى مشروع بناء مصر الحديثة
في مثل هذا اليوم وُلد الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا في 31 ديسمبر 1830 داخل المسافر خانة بحي الجمالية، أحد أبرز معالم القاهرة التاريخية، حيث كانت مقرًا لإقامة كبار رجال الدولة. ومن هذا الفضاء العمراني العريق بدأت سيرة حاكم حمل مشروعًا واسع الطموح لتحديث مصر وإعادة صياغة صورتها في القرن التاسع عشر.
تلقى إسماعيل تعليمًا متقدمًا جمع بين الثقافة العربية والدراسة الأوروبية، لا سيما في فرنسا، ما انعكس على رؤيته للدولة الحديثة. ومع توليه الحكم عام 1863، انطلق في برنامج شامل للتحديث، شمل العمران والإدارة والتعليم والثقافة. فأُعيد تخطيط القاهرة بشوارع واسعة وميادين حديثة، وظهرت أحياء جديدة مثل الإسماعيلية وجاردن سيتي، وشُيّد قصر عابدين ليكون مقرًا للحكم، رمزًا لعصر جديد من المركزية الإدارية.
ويرتبط اسمه بحدث عالمي مفصلي هو افتتاح قناة السويس عام 1869، الذي وضع مصر في قلب حركة التجارة الدولية. وتواكب ذلك مع نهضة ثقافية وفنية تمثلت في إنشاء دار الأوبرا الخديوية، وتشجيع الفنون والمسرح، وتوسيع البعثات التعليمية وحركة الترجمة. كما شهد عصره تطويرًا لمؤسسات الدولة ونظام القضاء، وتقوية للجيش، ومحاولات لتوسيع النفوذ المصري في أفريقيا.
وفي هذا السياق، تؤكد سلمي أحمد، باحثة في التراث المصري، أن «الخديوي إسماعيل يُعد من أكثر حكام مصر ارتباطًا بمشروع التحديث الشامل، فقد ترك بصمة واضحة في عمران القاهرة ومؤسسات الدولة، حتى باتت إنجازاته جزءًا لا ينفصل عن هوية مصر الحديثة». وتضيف أن «مكانته التاريخية لا تقتصر على مشروعاته، بل تمتد إلى رمزيته، حيث دُفن في مسجد الرفاعي، ذلك الصرح الذي يضم مقابر أسرة محمد علي، ليظل شاهدًا على عصرٍ شكّل نقطة تحول كبرى في تاريخ البلاد».
ورغم أن طموح الخديوي إسماعيل الكبير أدى إلى أعباء مالية جسيمة وتراكم الديون، وانتهى بعزله عام 1879 تحت ضغط أوروبي، فإن إرثه ظل حاضرًا في شوارع القاهرة ومؤسساتها، وفي فكرة الدولة الحديثة التي سعى إلى ترسيخها.
من المسافر خانة حيث الميلاد، إلى مسجد الرفاعي حيث المثوى الأخير، تبقى سيرة الخديوي إسماعيل فصلًا محوريًا في تاريخ مصر، تختلط فيه أحلام النهضة بتحديات الواقع، ويظل أثره قائمًا في ملامح الوطن حتى اليوم.


