أنباء اليوم
الأحد 28 ديسمبر 2025 03:41 صـ 8 رجب 1447 هـ
 أنباء اليوم
رئيس التحريرعلى الحوفي

عائشة صديقة هانم شاهدة الوقف المصري من الإمام الشافعي إلى مقابر الخالدين

في تاريخ الوقف المصري، تبرز أسماء صنعت أثرها بالفعل قبل القول، ومن بينها عائشة صديقة هانم، إحدى سيدات البر والعمل الخيري في مطلع القرن العشرين، والتي ما زالت سيرتها حاضرة من خلال شاهد مقبرتها الفريد وأوقافها الممتدة داخل مصر وخارجها، وصولًا إلى الحرمين الشريفين.

توفيت عائشة صديقة هانم في 24 ذي الحجة سنة 1327هـ الموافق 6 يناير 1910م، ودُفنت في مدفنها بمنطقة الإمام الشافعي، حيث احتضنت مقبرتها تركيبة جنائزية واحدة نادرة التصميم، عكست مكانتها الاجتماعية والدينية. ومع مشروع إعادة تنظيم المقابر التاريخية، تم نقل تركيبتها الأصلية إلى مقابر الخالدين ضمن الشواهد المنتقاة ذات القيمة الفنية والتاريخية.

وفي هذا السياق، تقول سلمي أحمد، الباحثة في مجال التراث، إن “نقل تركيبة عائشة صديقة هانم إلى مقابر الخالدين يمثل اعترافًا رسميًا بقيمة الشاهد الجنائزي بوصفه وثيقة تاريخية وقانونية، وليس مجرد عنصر معماري، لما يحمله من دلالات على دور الوقف المصري ودور المرأة في صناعة العمل الخيري”.

وتضيف سلمي أحمد أن شواهد المقابر التاريخية “تمثل أرشيفًا مفتوحًا لتاريخ المجتمع، وأن تجاهلها أو التعامل معها باعتبارها عناصر هامشية يؤدي إلى ضياع حقوق الوقف وطمس جزء مهم من الذاكرة الوطنية”.

وأشارت الباحثة ،تتميز تركيبة عائشة صديقة هانم بتصميم فني بالغ الدقة، حيث يعلو الشاهد تاج بديع الصنع يتوسطه شعار مصر «الهلال والنجمة الخماسية»، في دلالة واضحة على الانتماء الوطني، تعقبه البسملة، وثم الشهادتان وسورة الإخلاص، وتليها الآيات الثلاث الأخيرة من سورة الصافات، وجميعها منفذة بخط الثلث المركب، في نموذج نادر يجمع بين أكثر من مدرسة خطية في شاهد واحد.

وأستكملت قائلة أما الشاهد الرئيسي مسجلًا اسم المتوفاة وتاريخ وفاتها، إضافة إلى بيان مفصل بأعمالها الخيرية، والتي تكشف عن اتساع مفهوم الوقف لديها، حيث شملت إنشاء جامع، ومستشفى، ومدرسة، وكتبخانة، وملجأ للبنات، ومنازل للفقراء، إلى جانب إصلاح طريق القرافة وعين زبيدة، وتزويج الفتيات الفقيرات، ودفن العلماء، وهو ما يعكس رؤية حضارية متكاملة للوقف بوصفه أداة تنمية اجتماعية مستدامة.

وكشفت الباحثة سلمي احمد ، أنه لا تتوقف أهمية عائشة صديقة هانم عند حدود القاهرة، إذ تشير وثائق وشهادات متداولة إلى امتلاك ورثتها أوقافًا واسعة بالمدينة المنورة، خاصة في منطقة كامل العنبرية، تُقدَّر مساحتها بنحو 25 فدانًا، وقد دخلت هذه الأراضي ضمن مشروعات توسعات الحرم النبوي، مع إيداع قيمتها المالية في البنوك السعودية لحين استكمال الإجراءات القانونية الخاصة بالورثة.

وتعيد قصة عائشة صديقة هانم فتح ملف الأوقاف المصرية في الحجاز، باعتباره أحد أهم الملفات التراثية والاقتصادية المعاصرة، وتؤكد أن الوقف ليس ماضيًا منسيًا، بل حق تاريخي ومال عام يجب صونه، باعتباره مال الله الموقوف لخدمة الإنسان والعمران.