متحف الأزبكية بداية في تاريخ المتاحف المصرية خلال عصر محمد علي باشا
في قلب القاهرة، وبين جنبات تاريخ طويل من الاهتمام بالآثار، يقف متحف الأزبكية كرمز أولى خطوات مصر نحو توثيق وحفظ إرثها الحضاري وفي عام 1835، أصدر محمد علي باشا قرارًا تاريخيًا بإنشاء مصلحة للآثار المصرية، وأسس أول متحف رسمي في مصر، كان بمثابة النواة الأولى للمتحف المصري المعروف اليوم، وأسند إدارته إلى يوسف ضياء أفندي تحت إشراف المفكر الكبير رفاعة الطهطاوي، الذي لعب دورًا أساسيًا في تنظيم عمل المصلحة ووضع أسس تسجيل الآثار بشكل علمي.
متحف الأزبكية لم يكن مجرد مكان لحفظ القطع الأثرية، بل كان تعبيرًا عن رؤية محمد علي باشا الحضارية، التي سعت إلى جمع الآثار وتسجيلها وتنظيمها لأول مرة بطريقة علمية، بعد أن كان الاهتمام بالآثار عشوائيًا وغير منظم. جاء تأسيس المتحف بعد الاهتمام العالمي الكبير بالآثار المصرية، لا سيما بعد فك رموز حجر رشيد على يد العالم الفرنسي شامبليون، ما جعل العالم كله يتطلع إلى كنوز مصر القديمة.
تم نقل الآثار الثابتة والقيمة إلى المتحف في بيت صغير عند بركة الأزبكية القديمة، وبعض المصادر تشير إلى استخدام قصر الألفي في القاهرة كمكان لعرض بعض المقتنيات الملكية، ما أضاف بُعدًا رسميًا وراقيًا للعملية المتحفية. وقد كان رفاعة الطهطاوي هو العقل المدبر لهذه المرحلة، حيث وضع أسس تنظيم المتحف، وعمل على تعليم الموظفين طريقة التعامل مع القطع الأثرية وحفظها وتسجيلها بدقة، لتكون بداية التوثيق المنهجي للآثار المصرية.
على الرغم من بساطته، كان متحف الأزبكية خطوة غير مسبوقة، إذ مثل البذرة الأولى لتأسيس ثقافة المتاحف في مصر. وقد مهد هذا المتحف الطريق لتوسيع الحفظ العلمي للآثار لاحقًا في عهد خلفاء محمد علي باشا، الذين نقلوا المجموعات إلى مناطق أكثر اتساعًا مثل بولاق، ثم سراي الجيزة، وصولًا إلى المبنى الشهير في ميدان التحرير.
اليوم، يظل متحف الأزبكية في ذاكرة التاريخ المصري كبداية متحف ، وشاهدًا على رؤية محمد علي باشا التحديثية ودور رفاعة الطهطاوي التنظيمي.

