المتحف المصري الكبير الحلم الذي صار حقيقة عند أقدام الأهرامات
لم يكن المتحف المصري الكبير مجرد مشروع معماري ضخم، بل كان حلمًا مصريًا طال انتظاره ليصبح أكبر صرح أثري في العالم، يعيد تقديم الحضارة المصرية القديمة بصورة تليق بعظمتها، ويؤكد أن مصر ما زالت قادرة على صنع التاريخ كما حفظته لآلاف السنين. بدأت فكرة إنشاء المتحف في منتصف تسعينات القرن الماضي، حين أدركت الدولة أن المتحف المصري بالتحرير لم يعد قادرًا على استيعاب الكم الهائل من الكنوز الأثرية المتراكمة منذ أكثر من قرن، فكانت الرؤية أن يُقام متحف جديد قرب الأهرامات يجمع بين العراقة والحداثة، ليكون بوابة مصر الثقافية نحو العالم. وفي هذا الإطار، صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 402 لسنة 1992 في شأن تخصيص الأراضي اللازمة لإقامة المتحف المصري الجديد وملحقاته الثقافية، ليضع الإطار القانوني الأول الذي مهّد لبدء تنفيذ المشروع القومي الكبير.
وفي عام 1992 أعلنت مصر عن مسابقة دولية لتصميم المتحف المصري الكبير شارك فيها أكثر من 1500 مصمم ومعماري من مختلف دول العالم، وفاز عام 2003 المكتب الإيرلندي Heneghan Peng Architects بالمركز الأول بتصميم هندسي فريد يستلهم الخطوط والزوايا من الهرم نفسه ويطل على هضبة الجيزة في مشهد بانورامي يأسر الأبصار. وفي عام 2002 وُضع حجر الأساس للمتحف المصري الكبير في موقعه الحالي عند طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي على مساحة تبلغ نحو 117 فدانًا، وشهد الحفل حضور الرئيس الأسبق حسني مبارك وعدد من الشخصيات المصرية والعالمية، وأُعلن حينها أن المتحف سيكون الأكبر من نوعه في العالم.
كان أول ما اكتمل من المشروع هو مركز الترميم والمخازن الأثرية الذي بدأ العمل به فعليًا عام 2010، ويُعد هذا المركز من أكبر معامل الترميم في الشرق الأوسط، ويضم أحدث الأجهزة والمختبرات المتخصصة في ترميم المومياوات والأخشاب والمعادن والأحجار والنسيج. ومن أبرز إنجازاته ترميم كنوز الملك توت عنخ آمون وقطع خبيئة العساسيف، وإعداد آلاف القطع للعرض داخل القاعات الجديدة.
استمر تنفيذ المشروع على مراحل بدعم من الحكومة اليابانية من خلال وكالة التعاون الدولي اليابانية JICA التي ساهمت في تمويل المشروع وتدريب المرممين المصريين على أحدث التقنيات. شارك في البناء مئات المهندسين والخبراء المصريين واليابانيين لتخرج تحفة معمارية تجمع بين الدقة الآسيوية والروح المصرية الأصيلة. وفي عام 2006 نُقل تمثال الملك رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى بهو المتحف الجديد في عملية دقيقة تابعها العالم بأسره، ليقف اليوم شامخًا عند المدخل الرئيسي للمتحف مرحبًا بزائري الحضارة المصرية من كل أنحاء الأرض.
وفي عام 2025 شهدت مصر الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير في احتفال عالمي مهيب، حيث افتُتحت القاعات الضخمة التي تضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة مجتمعة منذ اكتشافها قبل قرن من الزمان. أصبح المتحف اليوم بوابة مصر الحضارية ومركزًا عالميًا للبحث والترميم والتعليم الأثري، ووجهة لا مثيل لها لعشاق التاريخ من كل القارات.
وهكذا تحقق الحلم المصري الكبير عند أقدام الأهرامات، ليبقى المتحف المصري الكبير شاهدًا على أن الحضارة المصرية القديمة لا تزال تُلهم العالم، وأن مصر، مهد التاريخ، تعرف دائمًا كيف تصنع المستقبل.



