أنباء اليوم
الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 07:18 مـ 28 ربيع آخر 1447 هـ
 أنباء اليوم
رئيس التحريرعلى الحوفي

«نباشو القمامة».. ظاهرة تبحث عن حل

 محمد بسيوني الملاح
محمد بسيوني الملاح

القمامة تشتكي من النباشين

بقلم- محمد بسيوني الملاح

مئات من النباشين يجوبون الشوارع بحثا عن المخلفات الصلبة مثل البلاستيك و الحديد وجميع المنتجات القابلة للتدوير و إعادة الانتاج ويرفضون التخلى عن مهنتهم.

وفي كل صباح، تصحو الشوارع على مشهدٍ واحدٍ يبعث على الأسى؛ صناديق مقلوبة، أكياس ممزقة، ومخلفات مبعثرة على الأرصفة.

وكأن القمامة نفسها صارت تشتكي من أيدٍ تعبث بها دون رحمة ولا وعي، تفتش في أحشائها بحثًا عن بقايا معدنية أو زجاجية، ثم تتركها عارية تشوه وجه المدينة.

هكذا أصبحت ظاهرة النباشين جزءًا من المشهد اليومي في كثير من الأحياء، بعد أن خرجت من إطار “البحث عن الرزق” إلى دائرة الفوضى التي تضر بالصحة العامة والمظهر الحضاري في آنٍ واحد.

فبينما تبذل الدولة جهدًا واضحًا في تطوير منظومة النظافة وإدارة المخلفات، تظهر هذه الفئة لتقلب النظام رأسًا على عقب، وتترك خلفها مشاهد لا تليق بوطن يسعى إلى التقدم.

النبش في القمامة في حد ذاته ليس جريمة، بل هو في دولٍ كثيرة جزء من منظومة منظمة لإعادة التدوير.

لكن في غياب التنظيم والرقابة، يتحول الأمر إلى عبثٍ يومي يُهدر الجهود الرسمية والمجتمعية معًا.

فما الجدوى من صناديق نظيفة ومعدات جديدة، إن كان البعض سيحولها إلى مصدر فوضى وملاذٍ للقمامة المبعثرة؟

وتزداد خطورة الظاهرة حين يرتبط النبش بتعاطي المواد المخدرة، فيفقد هؤلاء السيطرة على سلوكهم، ويتحول الشارع إلى مساحة مهددة للآمنين.

مشاهد الاعتداءات والمضايقات للمارة لم تعد نادرة، ما يجعل الأمر يتجاوز حدود “الفقر والحاجة” إلى قضية أمن مجتمعي وكرامة إنسانية.

الحل لا يكون بالمطاردات المؤقتة أو الحملات الموسمية التي تنتهي بانتهاء اليوم، بل بإنشاء منظومة وطنية متكاملة لفرز القمامة وإعادة تدويرها، مع دمج هؤلاء الأفراد في إطار قانوني منظم يضمن لهم رزقًا شريفًا، ويحمي الشارع من الفوضى.

فلا يمكن محاربة ظاهرة اجتماعية إلا بالتنظيم، ولا معالجة الفقر بالفوضى.

إن “القمامة التي تشتكي” اليوم ليست مجرد رمزية بيئية، بل صرخة مجتمعٍ أنهكه الإهمال وغياب الوعي.

صرخة تُذكّرنا بأن النظافة ليست مهمة عامل أو جهة، بل مسؤولية وطن كامل؛ دولةً ومواطنين.

فالمدن لا تُقاس بجمال مبانيها فقط، بل بنظافة شوارعها واحترام أهلها للنظام.

وحين تصمت القمامة عن الشكوى، نكون قد بدأنا فعلاً في بناء وطنٍ يستحق أن نحيا فيه بكرامة ونظافة.