إسماعيل باشا سليم ناظر الجهادية الذي صار من رجال مصر ودفن في الإمام الشافعي

إسماعيل باشا سليم (1809 – 1867) واحد من أبرز الأسماء التي ارتبطت بتاريخ المؤسسة العسكرية المصرية في القرن التاسع عشر، وهو مثال لرجال جاؤوا من أصول أجنبية ثم اندمجوا في النسيج المصري، وقدموا خدماتهم للدولة حتى صاروا جزءًا من تاريخها السياسي والعسكري. ولد في جزيرة كريت لأسرة يونانية و لكنه دخل مصر في ظل ظروف الصراع العثماني مع الحركات القومية في الجزر، وهناك وجد طريقه إلى الجيش المصري الذي كان يتوسع نفوذه آنذاك مع حملة محمد علي وأبنائه.
شارك إسماعيل باشا سليم وهو لا يزال ضابطًا صغيرًا في حملة الشام تحت قيادة إبراهيم باشا بن محمد علي، حيث تمرس في ميادين القتال واكتسب سمعة طيبة داخل المؤسسة العسكرية. ومع مرور الوقت، ومع بروز الحاجة إلى ضباط ذوي خبرة قادرين على تسيير شؤون الجهادية (وزارة الحربية آنذاك)، تولى إسماعيل باشا سليم منصب نظارة الجهادية في عهد سعيد باشا، ثم استمر في المنصب مع اعتلاء الخديوي إسماعيل الحكم، وهو ما يؤكد الثقة الكبيرة التي أولتها الأسرة الحاكمة له.
جاءت أهم محطاته في حرب كريت سنة 1866، حين اندلع التمرد الكريتي ضد الدولة العثمانية، فاستعان الباب العالي بمصر باعتبارها ولاية قوية، فأرسل الخديوي إسماعيل قوات لدعم الدولة العثمانية. وقد تولى إسماعيل باشا سليم قيادة تلك النجدة خلفًا للفريق شاهين باشا. أظهر خلالها حنكة وشجاعة في إدارة المعارك، وأسهم في إخماد الثورة لفترة، لكن مسيرته توقفت فجأة حين وافته المنية خلال الحملة سنة 1867.
تضاربت الروايات حول سبب وفاته؛ فبينما ذكرت بعض المصادر أنه أصيب بحمى التيفود المنتشرة في معسكرات الجنود، أورد جرجي زيدان في كتاباته تفسيرًا مختلفًا حين أشار إلى أنه تناول وجبة من "الفريك" انعقدت في أمعائه وتسببت في وفاته المفاجئة. ومهما يكن السبب، فقد شكل رحيله خسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية في زمن حساس من تاريخ مصر.
وأنه يوجد شاهد قبر لإسماعيل باشا سليم الذي دفن في مقابر الإمام الشافعي بالقاهرة. وهنا تكمن أهمية وجوده في هذا المكان؛ فالإمام الشافعي ليس مجرد جبانة، بل هو سجل مفتوح لذاكرة مصر يضم قبور قادة كبار مثل محمود سامي البارودي وأحمد عرابي، إضافة إلى شخصيات بارزة في السياسة والفكر والفن. وجود إسماعيل باشا سليم بين هؤلاء العظماء يعكس اعتراف الدولة بدوره ومكانته، كما يربط سيرته العسكرية بتاريخ وطني أوسع، حيث تلتقي أسماء الضباط الذين صنعوا مجد الجيش المصري في القرن التاسع عشر في مكان واحد، يجمعهم في ذاكرة القاهرة التاريخية.
إن سيرة إسماعيل باشا سليم تظل نموذجًا فريدًا لرجل اجتذبته مصر من ضفاف المتوسط، فأخلص لها وأصبح أحد رجالها الكبار، فخلّد اسمه في تاريخها العسكري والسياسي، كما خلد موضع دفنه في جبانة الإمام الشافعي جانبًا من حضوره في الذاكرة المصرية.