أنباء اليوم
الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 11:50 مـ 30 ربيع أول 1447 هـ
 أنباء اليوم
رئيس التحريرعلى الحوفي
بيراميدز يعادل إنجاز الأهلي ويتوج بكأس القارات الثلاث ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الإنتركونتيننتال سيتي سكيب مصر 2025 يناقش فرص النمو وتحديات قطاع التجزئة في السوق المصري الإمام المزني رفيق الامام الشافعي ووارث علمه في قلب القاهرة الإسلامية أرنى سلوت يعلن تشكيل ليفربول لمواجهة ساوثهامبتون بكأس الرابطة الانجليزي نائب محافظ الجيزة يتابع أعمال اللجنة الخاصة بحصر وتصنيف المناطق السكنية وفقاً للقانون 164 لسنة 2025 ريال مدريد يحل ضيفاً علي ليفانتي بالدوري الإسباني رئيس الوزراء يلتقى نظيره اليوناني بمقر الأمم المتحدة بنيويورك رئيس الوزراء يلتقي الرئيس القبرصي بمقر الأمم المتحدة بنيويورك وزير الأوقاف يستقبل رئيس ”نهضة العلماء” الإندونيسية والوفد المرافق له وزير الاتصالات : مباحثات مع مسئولى الشركات العالمية لزيادة استثماراتها فى مجالات التعهيد والاتصالات فى مصر قمة سيتي سكيب 2025.. العاصمة الإدارية تكشف خططها لاستيعاب 10 ملايين ساكن الثقافة تحتفي بمسيرة المؤرخ قاسم عبده قاسم بقصر الإبداع الفني.. غدا

جَبّانَةُ السيدة نفيسة ذاكرة القاهرة الروحية والإنسانية

السيدة نفيسة
السيدة نفيسة

كلمة "جَبَّانَة" تعني: المقبرة أو مكان دفن الموتى

وفي الاستعمال التراثي خاصة في مصر والمغرب العربي، تشير الجَبَّانَة إلى المقابر الواسعة التي تضم أضرحة وقِباب ومقامات، وليست مجرد مدفن صغير.

في قلب القاهرة التاريخية، حيث تختلط الأصوات بالصلوات والذكريات بالأنفاس، تقف جَبَّانَةُ السيدة نفيسة كصفحة حية من تاريخ المدينة وهي ليست مجرد مقبرة، بل مشهد واسع تتداخل فيه الأضرحة والقباب والرباطات ومقامات الأولياء والنساء الصالحات، إلى جانب مدافن الأدباء والسياسيين ورجال الفكر، لتشكل لوحة فريدة تلخص مسيرة مصر عبر العصور.

يبدأ السرد من مشهد وضريح السيدة نفيسة، حفيدة الإمام الحسن، التي استقرت بالقاهرة وتوفيت بها عام 208 هـ. الضريح الذي تحيطه القباب والمقامات كان ولا يزال مقصدًا للزائرين، تتجدد فيه البركة ويُعاد فيه حضور الذاكرة الصوفية و بقايا النقوش الخشبية والمعمار الفاطمي والمملوكي تشهد على قرون من التجديدات التي أبقت المشهد حيًا نابضًا.

حول الضريح تنتشر أضرحة نسائية بارزة، منها ضريح السيدة جوهرة التي ارتبط اسمها بالروحانيات الشعبية، وضريح الحاجة مغربية، مقام لامرأة صالحة ظل حيًا في الذاكرة الشعبية رغم غياب ذكره في المصادر الرسمية. يقصده الأهالي طلبًا للبركة، ويعكس حضور النساء في البنية الروحية للقاهرة، حيث تتحول الذاكرة الشفوية إلى جزء أصيل من تاريخ المكان.

وتتوزع القباب التاريخية التي تحكي عن عصور مختلفة: قبة الخلفاء العباسيين بما تحمله من رمزية سياسية ومعمارية، رباط أم العادل الذي مثل يومًا مركزًا للعبادة والتعليم في العصر الأيوبي، وأضرحة رموز دينية مثل سيدي موافي الدين وسيدي الحناوي، إلى جانب ضريح الموصلي الذي يربط بين القاهرة والعلماء الوافدين إليها.

لكن الجَبَّانَةَ شملت قبور شخصيات صنعت ملامح الثقافة المصرية الحديثة: الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر المجدد، والشيخ محمد رفعت صاحب الصوت القرآني الخالد، حافظ إبراهيم شاعر النيل، أحمد شوقي أمير الشعراء، وعلي باشا مبارك رائد التعليم الحديث، ويحيى حقي صاحب مدرسة أدبية فريدة، بالإضافة إلى قبة مصطفى باشا فهمي التي تحمل بصمة العمارة الخديوية.

تطل من قلب الجَبَّانَةِ معالم أخرى مثل باب الصحراء، بوابة رمزية ربطت قديمًا بين القاهرة والامتداد الصحراوي، ليظل شاهدًا على حركة القوافل وطقوس الرحيل والعودة. كل زاوية في الجَبَّانَةِ تختزن سردية عن علاقة المصريين بالموت والحياة، وعن كيفية تحول المدافن إلى ذاكرة ثقافية تتجاوز حدود الثرى.

ومع كل هذه القيمة الروحية والتاريخية، لم تسلم الجَبَّانَةُ من تهديدات العصر الحديث. تقارير عديدة حذرت من محاولات إزالة أو نقل بعض المدافن البارزة بحجة التطوير العمراني، ما أثار جدلًا واسعًا بين الحفاظ على التراث ومتطلبات التخطيط. في مواجهة ذلك يبرز دور الأهالي، والمؤرخين، والمهتمين بالتراث في توثيق النقوش والأسماء والقصص المرتبطة بكل ضريح، حتى لا تُمحى هذه الذاكرة من المشهد.

إن جَبَّانَةَ السيدة نفيسة ليست مجرد مكان للدفن، بل مرآة تعكس تداخل السياسة بالدين، والأدب بالروح، والذاكرة الشعبية بالتاريخ الرسمي. هي ذاكرة القاهرة، ومتحفها المفتوح الذي يجمع بين قباب العباسيين وصوت الشيخ رفعت وشِعر شوقي وبركة الحاجة مغربية. كل ضريح فيها ليس حجرًا صامتًا، بل صفحة من كتاب مصر الذي ما زال يكتبه أهلها

جيلاً بعد جيل.