سوار الملك بسوسنس الأول من الاكتشاف إلى الاختفاء

في عام 1940، وبينما كانت الحرب العالمية الثانية تشتعل في أوروبا، تمكّن عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه من اكتشاف إحدى أعظم المفاجآت في تاريخ التنقيبات الأثرية بمصر، حين فتح مقبرة الملك بسوسنس الأول في مدينة تانيس بالدلتا ولم يكن يتوقع أن يجد مقبرة ملكية شبه سليمة في فترة طالما وُصفت بالضعف، فإذا به يكشف عن كنوز ذهبية هائلة تذكّر العالم بثراء مقبرة توت عنخ آمون، لكن هذه المرة من عصر الأسرة الحادية والعشرين. كان من بين هذه الكنوز سوار ذهبي بديع يُنسب إلى الملك بسوسنس الأول، صنعه الحرفيون المصريون بحرفية متناهية، ليخلّد الملك ويؤكد ارتباطه بالآلهة وخلوده في العالم الآخر.
السوار المصنوع من الذهب الخالص تزيّنه خراطيش الملك التي يعلوها قرص الشمس رمز القوة الأبدية، وعلى جانبيه يظهر جعران مجنح يرفع القرص بساقيه الأماميتين، بينما تحمل ساقاه الخلفيتان علامة اللانهاية التي تشير إلى الأبدية. وبين هذه الرموز تتلألأ زخارف مرصعة بأحجار شبه كريمة ملوّنة، في محاكاة لأجنحة الجعران التي تجسّد معاني التجدد والحياة والحماية. لم يكن السوار مجرد قطعة زينة، بل كان تعويذة مقدسة تمنح الملك الحماية في الدنيا والآخرة، وتُظهر للعالم أن شرعيته وقوته لا يحدها زمن.
انتقل هذا الكنز بعد اكتشافه إلى المتحف المصري بالقاهرة، حيث صار أحد أبرز المعروضات التي تبهر الزوار وتؤكد عظمة الفن المصري القديم حتى في عصور الاضطراب السياسي. وكان السوار يقف شاهدًا حيًا على أن مصر، رغم الانقسامات والصراعات، لم تفقد يومًا قدرتها على الإبداع الخالد. غير أن هذا الأثر الفريد لم يحافظ على مكانه طويلًا، إذ تسلل إلى مصير غامض، بعدما اختفى من المتحف المصري في ظروف لم تُكشف تفاصيلها كاملة، ليلتحق بقائمة من المقتنيات الأثرية المفقودة التي ما زالت قصتها تثير الأسى والأسئلة حتى اليوم.
وبين لحظة اكتشافه المدهشة في قلب تانيس خلال الحرب العالمية الثانية، ولحظة اختفائه الغامضة من قاعات المتحف المصري، ظل سوار بسوسنس الأول رمزًا مزدوجًا: رمزًا لعظمة المصريين القدماء التي لا تُضاهى، ورمزًا في الوقت نفسه لهشاشة حاضرنا في حماية تراثنا الخالد.