الجمعة 29 مارس 2024 11:39 صـ 19 رمضان 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

استشاري نفسي: الخَرَس الزوجي يحول العلاقات الزوجية لارتباط على ورق  محامٍ بالنقض: قانون الأحوال الشخصية الحالي ”ظالم” للمرأة 

”الطلاق الصامت” حياة زوجية ظاهرية.. وتباعد أسري قاااتل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


تحقيق - أميرة عبد الباري

الطلاق.. ما أفظعها من كلمة تبدو للبعض بسيطة ولكنها تهدم أسرة في ثانية وكأنها قنبلة استهون بها كثيراً من الرجال مخلفة ورائها العديد من الآثار السيئة من ترك أبناء هم أقرب لأعتاب حافة الهاوية جراء أب سلبي ليس بعاقل كي يزن الأمور بميزان صحيح ، وأحياناً تنتج عنها علاقة أمومة سامة على عكس المتعارف عليه فهناك أمهات بلا جنة تحت أقدامهن تركوا أبناء لم يحظوا بعلاقة سوية تحت تأثير الضغوط النفسية التي تعرضن لها من قبل الأب الذي يطلق أبنائه مع أمهم.

حالات كثيرة تخلي فيها الأب عن دوره ليس المادي فقط بل والمعنوي أيضاً بعدم تقديم الدعم لأبنائه والمشاركة في تربيتهم، فهم أيضاً بحاجة إلى أب يعي واجبه جيداً ولا أقصد بحديثي الطلاق الرسمي فقط فهناك أيضاً طلاق من نوع آخر تخلى فيه الأب عن مسئوليته تجاه أبنائه وترك الأم تحمل مسئوليات جسام مما أثر بالسلب علي نفسيتها وانعكس ذلك على الأبناء ؛

ففي كل يوم تقع آلاف وربما عشرات الآلاف من حالات الطلاق الصامت التي لا يُعرف عنها شيء ؛ فهناك اختلافاً جذرياً بين الطلاق الشرعي الذي يتم وفق إجراءات الإنفصال النهائي بين الزوجين ، والطلاق العاطفي "الصامت"، وهو إستمرار العلاقة الزوجية بين الطرفين مع إنعدام مقومات الحياة الزوجية ، في حين أن الظاهر أمام المحيطين بهما أنهما يعيشان "تحت سقف واحد"، لكنهما منفصلان عاطفياً.

قصص كثيرة تنفطر لها القلوب آخرها وليس بآخر ؛ الأم التي ألقت بأبنائها من شرفة المنزل بعد عاركة بينها وبين الأب حول مصاريف الأبناء انعكست بتصرف غير سوي من الأم.

في هذا الصدد حرصت جريدة أنباء اليوم على رصد بعض الحالات التي عايشت الإنفصال وتأثيره السلبي على الأم والأبناء ورأي الطب النفسي والناحية القانونية فيما آلت إليه الأمور..

تحملت الكثير من الصعوبات والضغوطات، هكذا بدأت "داليا" حديثها لـ "أنباء اليوم" واستطردت: رغم عدم علمي شيئاً عن زوجي وعدم معرفة أولادي شيئاً عن والدهم، وسفره أكثر من خمس سنوات لا يحاول أن يعود إجازة من عمله ليري أبنائه الذين نسوا كلمة بابا وأصبحوا لايريدوه في حياتهم ، فإنه ما زال لا يرغب في الطلاق كي أتزوج مرة ثانية ، ولا يرغب في وجود رجل في حياتي ، وفي الوقت نفسه أقول أبو أولادي لا يضرني ولا يظهر في حياتي من الأساس ، فلماذا أصبح مطلقة في مجتمع لن يرحمني ولن يرحم صغاري ، مجتمع تهدئه جملة : "متزوجة لكن زوجي مسافر"، فدعنا نحتفظ بهذه الجملة وتظل هي حائط الأمان بالنسبة لنا!".

سيدة ثلاثينية أخرى انفصلت عن زوجها بعد مرور خمسة أعوام وإنجاب ولدين ، وكانت حجتها أنه بخيل ولا ينفق من أمواله معتمداً على راتبها ويدخر هو راتبه ، لكن فاض بها الكيل ورفضت تحمل العيش في عذاب بخله لرغبتها في تربية أبنائها تربية سوية ، وأنها من أجلهم تحملت أن تعيش في ذل ومهانة ، وقالت : زوجي أنانيا وبخيلا رغم يسر حاله ، وأنه لا ينفق عليها أو علىّ المنزل ويدخر راتبه الشهري البالغ 10 آلاف جنيه ، وقالت إنها تحملت خلال فترة زواجها ما لا يطيقه بشر .

وأوضحت أنه شديد البخل عليها وعلى أطفالها، وأنها بعد الزواج صدمت من طريقته في كل شيء ، حتى الطعام ، وأن بخله يجعله لا يرى سوى نفسه ، فقررت إنهاء تلك العلاقة لكنها تعاني الآن من تحملها عبئ المسئولية وحدها وعملها في أكثر من وظيفة كي تسد إحتياجات المنزل في حين أن زوجها لا يكترث.

ومازالت المئات من النساء ، إن لم يكن الآلاف من المتضررات تعاني معاناة لا يتحملها بشر داخل أروقة المحاكم بسبب مشاكل النفقات الخاصة بالأطفال ومن جحود الآباء على أبنائهم ، الأمر الذي يتطلب أشهر متعددة تصل إلى "السنة" وأكثر حتى تتمكن من الحصول على حكم "نفقة" لأبنائها وتكون قد عانت الأمرين و تقرر الزوجة التنفيذ في بنك ناصر ، فيقرر البنك صرف حد أقصى 500 جنيه فقط ، وهنا يضيع الأبناء الذين ليس لهم أي ذنب في معركة الأب والأم ، هذا إذا لم يقدم الزوج أوراق مزورة يقلل فيها من قيمة دخله حتي يتحايل علي القانون وتحكم المحكمة بنفقة صغيرة لأبنائه وهذا ما نشاهده كل يوم .

التقليل من شأن الزوجة وإهانتها هو سبب آخر من أسباب الطلاق الصامت ، وربما يكون هذا تلخيصاً جيداً لحالة "جميلة" المرأة التي في آخر الثلاثينيات من عمرها ، لا تتذكر منذ متى تحديداً كفت عن التحدث إلى زوجها أو التعامل معه على مدار سنوات طويلة من الحياة الزوجية ، كان دائم التسفيه لها ، يرى أنها لا تجيد شيئاً ، لا تجيد التحدث ، لا تجيد التفكير ، لا تجيد حتى تربية الصغار .

بالإضافة إلى أنه يخبرها دوماً أنها لا تتمتع بأي جمال أو صفات شكلية جيدة تذكر ، بالإضافة إلى أنها تتولى مصاريف المنزل وهو يساهم بجزء بسيط جداً حتى اعتاد الأبناء على أن يطلبوا منها احتياجاتهم وكأنهم اعتبروه كرسي أو أباجورة ، فضلاً عن إقامته لعلاقات نسائية ورغم كل هذا الأذى الذي يقع عليها منه فإن زواجهما قد استمر حتى الآن لمدة عشرون عاماً ، وما زال مستمراً .

وفي هذا السياق يوضح دكتور - محمد محمود حمودة - مدرس وإستشاري الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر أن الطلاق الصامت أو ما يسمي بالخرس الزوجي يحدث بعد فترة من الزواج ومن أهم أسبابه هي الضغوطات المادية التي يتعرض لها الزوجان في حياتهما فتجدهما منغمسين بتأمين مستلزمات البيت والأولاد مبتعدين شيئاً فشيئاً عن كل ما يؤجج العاطفة دون انتباه منهما لعدم وجود طاقة أن يمازح الزوج زوجته وينتابه الصمت .

ويتابع حمودة قائلاً : عدم التفاهم بين الزوجين وانعدام لغة الحوار وفي بعض الأحيان غياب الإحترام بينهما يجعل كلا منهما يعيش بمعزل عن الآخر ، وهو يعتبر العامل الأول للخرس الزوجي وغالباً ما تقل الإهتمامات المشتركة مع مرور السنوات أو تنعدم فتحدث الخلافات أول بأول فيقرر كلا منهما أن يقضي وقته منشغلاً عن الآخر ويشعر كلاهما أن إستمرار الحياة الزوجية من أجل أطفالهما لا لشيء آخر ، وتظل الفجوة النفسية بينهما في الزيادة إلى أن تستعصي على حل ، ويشير إلي أن للخرس الزوجي مضار عديدة تلحق بالأسرة والأبناء ولابد من العمل على حل تلك المشكلة.

واستكمل الدكتور حمودة حديثه موضحاً أن الأم التي ألقت بأبنائها من شرفة المنزل غالباً ما تعاني من إضطراب ذهاني إما فصام أو لديها نوبة ذهانية حادة أو إضطراب وجداني ثنائي القطب أو نوبة هوس ، وهنا تكمن الخطورة وأعتقد أن هذا التشخيص ينطبق عليها وأنها كانت في حالة عقلية لا تسمح لها باتخاذ القرار فهذا ليس بشائع مع الأمهات ، وهناك إحتمال آخر وهو أن تكون الأم شخصية سيكوباتية وقررت التخلص من أبنائها لوارد آخر كعلاقة مع شخص ما أو لأن وجود الأبناء سيقوي صلة ارتباطها بزوجها .

فهناك حلين إما أن تكون مريضة أو أنها شخصية سيكوباتية ، وهناك العديد من المعايير التي توضع لتشخيص الإضطرابات النفسية ولا يمكن معرفتها إلا من خلال وضع المتهمة تحت الملاحظة بوحدة الطب النفسي الشرعي مدة قد تصل في بعض الأحيان إلي 45 يوم ، وتخضع للكشف من قبل لجنة مختصة من أساتذة الطب النفسي للتأكد من حقيقة إصابتها بمرض نفسي دفعها لإرتكاب الجريمة أم أن الأمر محاولة للهرب من العقوبة المقررة قانوناً.

أما مشكلة سفر الزوج حول هذا الموضوع استرسل حمودة حديثه : إن عمل الزوج بالخارج حكاية شائعة في مصر منذ قديم الأزل من بداية السبعينيات و حتى الآن ، وبالرغم من أن غياب الزوج يرتكز على تأمين الحياة المعيشية لعائلته إلا أنه يترك آثاراً سلبية علي الزوجة والأبناء ، وقديماً لشدة الحروب وغياب المحاربين عن زوجاتهم بالسنوات ، الأمر الذى دفع المحارب من هؤلاء على إجبار زوجته على ارتداء حزام العفة ويتم غلقه بواسطة قفل يكون مفتاحه مع الزوج لضمان عفة وشرف الزوجة ، فهي حكاية من قديم الأزل وستستمر مدى الحياة .

ومن جانبه أشار رامي فكري محامي بالنقض أنه لابد من تعديل قانون الأحوال الشخصية وزيادة حقوق الزوجة وإثباتها بشتى طرق الإثبات ، حيث يشكل قانون الأحوال الشخصية مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم وقد باتت الكثير من الأسر عالقة فى أزمات عدم الاستقرار ومعوقة في المُضي قدماً نتيجة إشكاليات وثغرات نصوص قانون الأحوال الشخصية ؛ وما أسفرت عنه من ضياع حقوق .

كما يؤكد فكري على ضرورة زيادة منظمات الدفاع عن المرأة ولكن بقيادة رجال لأن الزوج قليل المروءة يخشى من القوانين الصارمة والمنظمات الحقوقية للمرأه التي يرأسها قانونيون رجال ، ولابد من إنشاء صندوق دعم للمرأة ويتم جمع التبرعات من رجال الأعمال تحت رعاية وإشراف وزارة المالية عملاً بحديث رفقاً بالقوارير ، وأخيراً وليس آخرا تأييد قرار الرئيس السيسي في تنفيذ صندوق دعم الأسرة .

في الختام يجدر القول أن نجاح أسرة يعني نجاح جزئي لمجتمع بأكمله وانهيارها مشكلة اجتماعية خطيرة ينبغي التصدي لها بقوة حتي ننعم بحياة هادئة مستقرة .