الخميس 25 أبريل 2024 02:44 مـ 16 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

اهتز لموته عرش الرحمن!

أ/ محمد فاروق
أ/ محمد فاروق

هو أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يمكث فى الإسلام سوى ست سنوات ومع ذلك حاز فضلاً لم ينله أحداً من العالمين ، فماذا فعل سعد بن معاذ حتى يهتز لموته عرش الرحمن ويشيعه سبعون ألفاً من الملائكة ، ماذا قدم فى سنواته الست لكى ينل تلك المنزلة العظيمة ، رضي الله عنك يا سعد فقد كنت فتحاً للإسلام وملاذاً للمسلمين وطمأنينة للرسول الكريم وحرباً على أعداء الله .

بعث رسول الله مصعب بن عمير للمدينة المنورة كأول سفير للإسلام يدعوا أهلها للدخول فى الدين الجديد ويُعرِّف الناس بأمور دينهم ، وعلم سعد بن معاذ بذلك وكان سيد قومه فغضب غضباً شديداً فكيف يأتى من يسفه دين قومه ويدعو لدين جديد فى قبيلته فذهب مغضباً إلى مصعب وطلب منه الكف عن دعوته ، فقال له مصعب " أوتقعد فتسمع فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره " فقال سعد : " أنصفت " فعرض مصعب الإسلام عليه كأفضل ما يكون العرض وقرأ عليه آيات من القرآن الكريم فخشع لها قلبه وأطمئنت إليه نفسه وقال والله ما سمعت أبرولا أكرم من هذا الكلام ، فأسلم فى وقته وكان ابن واحدٍ وثلاثين عاماً ، وذهب إلى قومه وقال يا بني عبد الأشهل ماذا تقولون فيّ ؟ قالوا : سيدنا حقا وأرجحنا عقلاً وأفضلنا رأيا ، قال: فكلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله ، فأسلم قومه جميعاً رجالاً ونساءاً وانتقل مصعب لمنزل سعد ليكون مركزاً للدعوة فى المدينة المنورة.

و لما تحول الموقف يوم بدر من مجرد الحصول على العير إلى قتال بين المسلمين والمشركين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي الصحابة قبل الدخول في تلك المعركة الحاسمة فاستشار أصحابه وقال : أشيروا علي أيها الناس فتكلم أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب و المقداد بن عمرو، وهؤلاء الثلاثة كانوا من المهاجرين، ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي قادة الأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم :أشيروا علي أيها الناس فقال سعد بن معاذ : والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال : أجل، قال سعد : فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا إنا لصُبر في الحرب، صُدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر بنا على بركة الله. فسُّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ثم قال : " سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم".

وعندما تمكّن النبيّ من يهود بني قريظة؛ قال النبيّ إنه سيُحكّم فيهم سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، فرضوا بِحُكمه، وقَبِل بنو قُريظة بالنُّزول تحت حُكم سعد بن مُعاذ لِاعتقادهم أنه سيرأفُ بهم؛ بسبب تحالفهم مع قومه الأوس، فأوتي بسعد على دابة وهو فى مرضه ، فحكم عليهم بقتل مُقاتليهم، وسبي ذراريهم، وتُقسيم أموالهم، فكبّر رسول الله وقال والذي نفسي بيده لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات .

وحانت لحظة الفراق وخرج النبي سريعاً يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده يعيش لحظات الوداع فأخذ عليه السلام رأسه ووضعه فى حجره وهو ينظر اليه فى لوعة وحزن ويقول: اللهم إنّ سعداً جاهد فى سبيلك وصدق رسولك وقضى الذى عليه فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحاً فانبسطت أسارير سعد وهو يعالج سكرات الموت ثم فتح عينيه على وجه رسول الله ليكون آخر ما يبصره فى الحياة وقال: السلام عليك يا رسول الله أما إنى لأشهد أنك رسول الله، وتملى النبي وجه سعد وقال هنيئاً لك أبا عمرو هنيئاً لك أبا عمرو.

توفى رضي الله عنه وهو ابن سبع وثلاثين سنة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتز له عرش الرحمن ، ولقد نزل فى جنازته سبعون ألف ملك من السماء ما وطئوا الأرض قط ، فلله درك يا سعد ولعل ما جعلك تبلغ هذه المنزلة هو صدق نيتك وحُسن سريرتك وخفايا أعمالك التى لم يطلعنا الله عليها .