الخميس 28 مارس 2024 10:22 مـ 18 رمضان 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

رمضان موسم الخيرات

حينما نتحدث عن خَلق الله للكون نجد أنه سبحانه وتعالى خلق كل شيء فقدَّره تقديراً، بل وأنه قد إختصَّ بحكمته وعلمه الذي وسع كل شيء على سائر الأزمان وكافة الأماكن والتى أخبرنا بها وذكرها في كتابه وسنة رسوله لكي نبادر ونسارع إلى الخيرات فيها.

فقال الله تبارك وتعالى {فَاسْتَبِقُوا الْـخَيْرَاتِ}

ففى هذه الآيه من الشاهد والدليل على أن الله تبارك وتعالى قد حسّنا على التنافس والمبادرة إلى فعل الخير ومحاولة الوصول إلى الدرجات العلى والأجر العظيم من الله.

والمعنى من السباق هنا يكمن بأن المسلم يجب عليه ألا يقنع فقط بمجرد الفعل حتى يكون مسارعاً فيه منافساً لغيره في الإتيان به حتى يكون في ذلك من السابقين .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حسدَ إلا في إثنتين: رجلٍ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجلٍ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها.

فنحن نعلم أن الخيرات هى كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال سواء كان مما أمر الله به ورسوله، أو دعا إلى فعله ورَّغب فيه وحثَّ عليه.

والله سبحانه وتعالى أمرنا بالإستباق فى عمل الخيرات فى آياته الكريمة قال تعالى:

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْـخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

ولا يفوتنا أن نُذَّكِر بأن الله تعالى قد

أثنى على المسارعين بالخيرات وبيَّن أن عاقبتهم الفلاح في الدنيا والنعيم الذي لا يزول في الآخرة

فقال تعالى :

{يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْـخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِـحِينَ} .

و بيَّن الله أيضاً في آياته أن المسارعة في الخيرات من أسباب استجابة الدعاء

فقال تعالى : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الْـخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} .

فإذا كانت الإسراع بالخيرات محمود بل ومطلوب ويجب الحرص عليه في كل آنٍ وحين وكل مكان واى زمان فإن حدوث ذلك في الأوقات والأزمان المفضلة يكون أكثر فضلاً وخيراً بل وأعظم أجراً.

ونحن فى هذه الأيام المباركة والتى تعتبر من الأزمان المفضلة ألا وهي شهر رمضان أولى بناأن نسارع فيه بالخيرات والأعمال الصالحة والإكثار من الدعاء

فشهر رمضـان يدخل علينا بفـضله وكرمه وشـرفـه وهـو ما يستوجب علينا أن نتعرض فيه لنفحات الله علينا.

كما دعانا لذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم

فقال: إفعلوا الخير دهركم، وتعرَّضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن روعاتكم

ولا يشك أحد أن رمضان كله ليله ونهاره، من هذه الأزمـان الـتي تـهبُّ فـيها نفحات الله تعالى لذا أكثر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم من التعرُّض لتلك النفحات بحضور القلب ولزوم الذكر والدعاء وقراءة القرآن والصدقة والإحسان إلى خلق الله تعـالى، والصـلاة بالليـل

والروايات الصحيحة تحدِّثنا بأنه

كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان شأن يختلف عن كل أحواله في غيره من الشهور، فقد كان في كل أحيانه جواداً كريماً، لكن كرمه وجوده في رمضان كان في الذروة.

قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

ولولا أن الجود في رمضان تفوق منزلته على غير رمضان ماإختصه الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم بذلك.

قال ابن حجر: «الجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة وأيضاً فرمضان موسم الخيرات لأن نِعَم الله على عباده فيه زائدة على غيره، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُؤْثِر متابعة سنة الله في عباده.

وكما كان الرسول صلى الله عليه وسلم - في رمضان أجود ما يكون حتى يفوق الريح المرسلة فكذلك كان تالياً للقرآن يتدارسه مع جبريل عليه السلام كل ليلة،

وهذا دليل واضح يبيِّن لنا أهمية العناية بقراءة القرآن، وأن هذه العناية تبلغ ذروتها وحدَّها الأقصى في رمضان

جميعنا يعلم أن شهر رمضان هو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وأنه أولى بنا كمسلمين في شهر القرآن أن نخصه بمزيد من القراءة والتدبر.

وعندما يتأمَّل الإنسان ما في رمضان من مجالات متعددة للمسارعة في الخيرات فإنه يتعجب أشد العجب ممن لم يكن همُّه في تلك الساعات سوى المتاجرة وتحصيل حطام الدنيا حتى يكون حظه في رمضان من القراءة والذكر والقيام أدنى من حظه من ذلك في غير رمضان؛ فكثير ممن جعل الدنيا همَّه نظر إلى رمضان على أنه موسم للكسب والتجارة وتنمية الثروة وإن نَقُص رصيده الإيماني، وقد يستغرب الإنسان حينما يقارن ذلك بما كان عليه كثير من العلماء مِنْ تركهم الاشتغال بالعلم في هذا الشهر مع فضل العلم وعظيم أجره؛ اشتغالاً بما فيه من العبادة من ذكر وقيام وقراءة للقرآن.

والعناية بالعبادة في رمضان لا تعني أن يقصِّر المسلم فيما وجب عليه من الأمور فإن غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها الإيمان وجنده وخذل الشرك وأهله؛ لم تكن إلا في رمضان، وإنَّ فتح مكة الـذي سُمِّي: الفتح الأكبر لم يحدث إلا في رمضان، وانتصار المسلمين على التتار لم يكن إلا في رمضان، وكثير من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين قد جرت في شهر رمضان وأبلى المؤمنون فيها بلاءً حسناً ولم تُعِقْهم العبادة في هذا الشهر عن القيام بذلك.

نسأل الله بمنِّه وفـضله أن يرزقـنا بركة هـذا الشـهر، وأن يجعـلنا مـن الذيـن وفَّقـهم لقيـام ليلة القدر، ونسأله تعالى أن يجعلنا من المسارعين في الخيرات وخاصة في مواسم الفضل والشرف.