تجديدات تطال الجناح الشرقي للبيت الأبيض

رصدت شبكة CNN ، الاثنين، بدء أعمال هدم أجزاءً من الجناح الشرقي للبيت الأبيض.
وكانت الصور التي نشرها البيت الأبيض في وقت سابق أظهرت أن قاعة الرقص، التي قالت إدارة الرئيس دونالد ترامب إنها ستُمول منه ومتبرعين آخرين من القطاع الخاص، ستُبنى في هذه المنطقة.
في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن يقف البيت الأبيض شامخًا كرمز للسلطة والسيادة منذ أكثر من قرنين من الزمان، وبين جدرانه التي شهدت تحولات سياسية وحروبًا عالمية تتوارى تفاصيل معمارية مثيرة لا يعرفها الكثيرون، من أبرزها تاريخ الجناح الشرقي الذي عاد مؤخرًا إلى دائرة الضوء بعد الإعلان عن مشروع هدم جزئي له وإعادة بنائه ضمن خطة توسعة جديدة أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2025.
تعود فكرة إنشاء جناح شرقي إلى بدايات القرن التاسع عشر في عهد الرئيس توماس جيفرسون الذي تخيّل أن يكون البيت الأبيض قصرًا رئاسيًا متكاملًا يجمع بين العمل والإقامة على الطراز الأوروبي، غير أن التنفيذ الفعلي لم يتحقق إلا بعد مرور قرن تقريبًا، حين قرر الرئيس ثيودور روزفلت عام 1902 بناء مدخل رسمي للضيوف في الجهة الشرقية يستخدم في المناسبات الكبرى والاستقبالات الرسمية. ومع مرور السنوات تطور هذا الجزء من المبنى، ليشهد تحوله الأهم عام 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية في عهد الرئيس فرانكلين دي. روزفلت، عندما أُعيد بناؤه بالكامل تقريبًا بهدف إخفاء إنشاء مركز الطوارئ الرئاسي السري تحت الأرض، وهو ملجأ محصّن لحماية الرئيس وأسرته في حال وقوع أي هجوم على العاصمة.
منذ ذلك التاريخ أصبح الجناح الشرقي جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية في البيت الأبيض، حيث يضم مكاتب السيدة الأولى ومكتبها الاجتماعي وأقسام البرتوكول والتنظيم، بالإضافة إلى مسرح العائلة الرئاسية الذي تُعرض فيه الأفلام والفعاليات الخاصة. وقد ظل هذا الجناح يمثل الجانب الإنساني والاجتماعي في حياة الرئاسة الأمريكية، بعيدًا عن صخب القرارات السياسية وغرف الاجتماعات الرسمية.
في أكتوبر 2025 بدأت أعمال الهدم الجزئي لواجهة الجناح الشرقي تمهيدًا لبناء قاعة احتفالات ضخمة بمساحة تقارب ثمانية آلاف متر مربع وبتمويل خاص بلغت قيمته أكثر من مئتين وخمسين مليون دولار. المشروع أثار جدلًا واسعًا بين المؤيدين والمعارضين، فبينما اعتبره البعض خطوة ضرورية لتحديث المقر الرئاسي بما يتناسب مع مكانة الولايات المتحدة العالمية، رآه آخرون تعديًا على الطابع التاريخي والرمزي للبيت الأبيض.
هكذا يصبح تاريخ الجناح الشرقي مرآةً لتطور السلطة الأمريكية نفسها؛ فقد بدأ كمرفق بسيط لاستقبال الضيوف، ثم تحوّل إلى مركز نشاط يومي للرئاسة، وها هو اليوم يدخل مرحلة جديدة من التوسع والتكنولوجيا المعمارية الحديثة. ورغم الخلافات التي تحيط بمشروع إعادة بنائه، يبقى هذا الجناح شاهدًا حيًا على تاريخ طويل من التغيرات التي واكبت صعود الولايات المتحدة من دولة ناشئة إلى قوة عظمى.
إن قصة الجناح الشرقي ليست مجرد فصل في تاريخ العمارة، بل هي حكاية عن التوازن الدقيق بين التراث والحداثة، بين الرمز السياسي والوظيفة العملية، وهي قصة ما تزال تُكتب حتى اليوم مع كل لبنة تُهدم وأخرى تُعاد بناؤها في هذا المبنى الذي يمثل قلب الأمة الأمريكية.