هل انتهى الفيدرالي من خفض الفائدة لهذا العام؟

، أقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يوم الأربعاء على أول خفض لأسعار الفائدة في عام 2025.
لكن هل سيواصل المصرف المركزي مجاراة التوقعات عبر إقرار خفضين إضافيين قبل نهاية العام؟ المعطيات لا تشير إلى ذلك.
تُعد التوقعات في أسواق العقود الآجلة تبسيطاً مفرطاً لمسار ثنائي في جوهره بشأن أسعار الفائدة: أحدهما يُرضي الأسواق، والآخر، وهو المسار المرجّح، قد يعني أن خفض الفائدة الذي أُقر هذا الأسبوع سيكون الوحيد هذا العام.
"مخطط النقاط" يعكس الانقسام
لنلقِ نظرةً على ما يُعرف بـ"مخطط النقاط" التابع للفيدرالي، وهو رسم يوضح توقعات الأعضاء السبعة في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، ورؤساء البنوك الفيدرالية الـ12، لاتجاه أسعار الفائدة دون الإفصاح عن هويتهم. الإحصائية الأكثر تداولًا هي "النقطة المتوسطة"، والتي تعكس توقع السوق لخفضين إضافيين.
لكن نظرة دقيقة على التوزيع تُظهر أن الآراء تنقسم بوضوح إلى معسكرين: مجموعة من 6 أعضاء ترى أن خفض الأربعاء كافٍ للعام، ومجموعة أكبر (حتى الآن) من 9 أعضاء تتوقع خفضين إضافيين. ويُكمل المشهد عضوان يتوقعان خفضاً واحداً فقط، وعضوان متطرفان: أحدهما يدعو إلى تيسير غير واقعي بمقدار 125 نقطة أساس، وآخر يرى أن الفيدرالي لم يكن يجب أن يتحرك أصلاً هذا الأسبوع.
سوق العمل هي الفيصل
أي هذين المسارين الثنائيين هو الأرجح حالياً؟ الجواب يعود إلى حالة سوق العمل.
يبدو أن المعسكر الأكثر ميلاً للتيسير يستند إلى ملاحظة مفادها أن سوق العمل، بحسب تعبير محافظ الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر، "تقترب من مرحلة التباطؤ التام". هؤلاء لا ينكرون أن الرسوم الجمركية ترفع الأسعار على المستهلك، لكنهم يعتبرونها عاملاً مؤقتاً يجب تجاهله في صنع السياسات. ويستشهدون بضعف بيانات التوظيف الأخيرة لتبرير الدعوة إلى مزيد من الخفض.
غير أن حجتهم معقّدة بفعل عوامل تتعلق بالعرض في سوق العمل، وأهمها القيود الجديدة على الهجرة، وحالات الترحيل، والمناخ العام من الخوف بين غير المواطنين. وقد تكون الشركات توظف عدداً أقل من الأشخاص ببساطة لأن عدد العمال المتاحين أصبح أقل، ولهذا يدعو مسؤولون مثل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستان غولسبي، إلى التركيز على النسب بدلاً من أرقام التوظيف الصافية.
مؤشرات الاستقرار... لا الركود
تجدر الإشارة إلى أن معدل البطالة لا يزال عند 4.3% فقط، وهو رقم كان سيُعد إنجازاً في سنوات سابقة. أما معدل التوظيف، البالغ 3.3%، فهو ضعيف لكنه مستقر منذ منتصف 2024. ومعدل التسريحات والاستقالات قريب من 1.1%، من دون تغير يُذكر.
في الوقت نفسه، بلغ عدد طلبات إعانة البطالة الأولية 231 ألفاً خلال الأسبوع المنتهي في 13 سبتمبر، وهو رقم غير لافت، خاصةً بعد أن تبيّن أن القفزة المفاجئة في الأسبوع السابق كانت بسبب عمليات احتيال في ولاية تكساس.
وبالتالي، فإن التراجع الذي شهده الاقتصاد وسوق العمل في الفصول الأخيرة قد يكون بدأ بالانحسار، ما يثير احتمال أن يخاطر صانعو السياسات ذوو التوجه التيسيري في الفيدرالي بتقييم السياسة من منظورٍ رجعي، أشبه بالنظر في المرآة الخلفية
الاستهلاك ينتعش والنمو يعود
ارتفعت مبيعات التجزئة في أغسطس للشهر الثالث على التوالي، وبدأ الاستهلاك بالتوسع مجدداً بعد تعديله وفقاً للتضخم، وذلك بعد فترة من الركود في النصف الأول من العام.
وبينما لم ينتهِ الربع بعد، تُشير أداة "جي دي بي ناو" التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث يسير نحو نمو سنوي يبلغ 3.3%. ورغم ما يحيط بهذه الأداة من قيود، فقد تفوقت مراراً على توقعات الاقتصاديين في القطاع الخاص في ظل اقتصاد ما بعد الجائحة الذي يصعب التنبؤ بمساراته. أما سوق الأسهم –وإن لم يكن مؤشراً مثالياً للنشاط الاقتصادي– فهو في أعلى مستوياته على الإطلاق، ما يدعم ثروة الأسر ويُعزز الإنفاق المستقبلي.
تبعات رسوم ترمب تتراجع
أحد التفسيرات المحتملة هو أن الاقتصاد الأميركي تعرّض لاضطراب مؤقت بسبب حالة عدم اليقين التي أثارتها رسوم "يوم التحرير" التي فرضها الرئيس دونالد ترمب، لكنه بدأ يستعيد توازنه. وبالرغم من استمرار بعض العقبات، إلا أن المزاعم بأن النمو انتهى تبدو مبالغاً فيها بالنظر إلى المعطيات الحالية.
وإذا تبيّن أن معسكر التيسير المفرط في "مخطط النقاط" كان مخطئاً، فإن معسكر الـ"لا تغيير" سيفرض نفسه تلقائياً.
على أرض الواقع، يتشابه هذا المعسكر مع نظيره التيسيري، إذ يعترف بارتفاع التضخم نسبياً، لكنه لا يُعطي الرسوم الجمركية وزناً كبيراً في التحليل، ويُقيّم سوق العمل كما وصفه جيروم باول في خطابه في جاكسون هول الشهر الماضي، بأنه "في حالة توازن غريبة ناجمة عن تباطؤ ملحوظ في كل من عرض العمالة والطلب عليها". لكن يبدو أنهم لا يأخذون هذا التوازن الهش كأمر مُسلّم به.
الأثر السياسي
من المؤسف أن السياسة لا يمكن استبعادها في هذه المرحلة. إذ يواصل ترمب دعواته المتكررة إلى خفض كبير في أسعار الفائدة (بما يفوق بكثير ما نوقش في هذا التحليل)، ويهاجم رئيس الفيدرالي باول على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستخدم وزارة العدل لمحاولة إقالة ليزا كوك، وهي من محافظي الفيدرالي وتختلف معه في التوجهات.
ربحت كوك الجولة القانونية الأخيرة ضده في محكمة الاستئناف هذا الأسبوع، لكن ترمب رفع القضية الآن إلى المحكمة العليا مطالباً بالسماح له بإقالتها. وستكون نتيجة هذه المعركة حاسمة لمستقبل استقلالية الفيدرالي ونهج صنع السياسات المعتمد على البيانات.
حتى الآن، لا تزال الشخصيات المؤسسية هي المهيمنة داخل الفيدرالي، لكن من الصعب تصور أن أي عضو في لجنة السوق المفتوحة المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة يمكنه أن يتجاهل الضوضاء السياسية بشكل كامل. فحتى أكثر الموظفين التكنوقراطيين نبلاً هم في نهاية المطاف بشر.
مع ذلك، قد يكون تأثير السياسة متوازناً هذا العام: قد يميل بعض الأعضاء لا شعورياً نحو التيسير تحسباً لردود فعل الإدارة، فيما قد يتخذ آخرون موقفاً أكثر تشدداً بدافع غريزي من الرفض أو التحدي.
بيانات سوق العمل
بالمجمل، ستظل قرارات السياسة النقدية ثنائية الاتجاه على المدى القريب: إما أن سوق العمل تنهار، أو أن دورة الخفض قد انتهت مؤقتاً.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن السيناريو الثاني هو الأرجح— وهو ما قد يكون خبراً ساراً للعمال الأميركيين، لكنه خبر سيئ لمستثمري السندات الميالين للتيسير، وللرئيس ترمب