في رحاب جبانة الإمام الشافعى تاريخ ثلاثة من أعلام الفقه والقراءة

في قلب القاهرة التاريخية، حيث تمتد جبانة الإمام الشافعي كأحد أعرق مقابر المسلمين في مصر، يرقد عدد من كبار العلماء والأئمة الذين تركوا بصمتهم على مسيرة الفقه الإسلامي وعلوم القرآن. وبين القبور العتيقة والقباب المزخرفة، يلوح تاريخ ثلاثة من الأسماء البارزة: الإمام وكيع، والإمام المزني، والإمام ورش.
هو وكيع بن الجراح (129 – 197هـ)، أحد كبار المحدثين بالكوفة وشيخ الإمام الشافعي. عُرف بثقته وإتقانه في الحديث، حتى قال عنه الشافعي: "ما رأيت مثل وكيع في الحفظ والإتقان".
ومن الروايات الباقية في التراث أن الشافعي نفسه قال فيه أبياته الشهيرة:
> شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي
فأرشدني إلى تركِ المعاصي
وأخبرني بأن العلمَ نورٌ
ونورُ الله لا يُهدى لعاصي
اسمه ظل حاضرًا في كتب المصريين باعتباره أستاذ الشافعي وملهمه الأول. لذا يذكره المؤرخون دائمًا عند الحديث عن الجبانة، باعتباره جزءًا من السلسلة العلمية التي انتهت بوجود الشافعي في هذا المكان.
أما إسماعيل بن يحيى المزني (175 – 264هـ)، فقد عاش حياته في مصر ملازمًا للإمام الشافعي حتى وفاته. ويُعد المزني أبرز من نقل مذهب الشافعي ونشره بين الناس، حتى لُقب بـ"ناشر مذهب الشافعي". وعندما وافته المنية سنة 264هـ، دُفن إلى جوار أستاذه في جبانة الإمام الشافعي، ليظل قبره شاهدًا على تواصل السلسلة الفقهية بين الشيخ والتلميذ.
إن عثمان بن سعيد المصري، الشهير بورش (110 – 197هـ)، قد خدم القرآن الكريم بقراءته التي اشتهرت في المغرب العربي حتى يومنا هذا. وُلد ورش في مصر وتلقى علوم القراءة في المدينة المنورة عن الإمام نافع، ثم عاد إلى بلده ليتصدر للإقراء. وحين توفي، وُري جثمانه في جبانة الفسطاط، حيث صار موضع قبره فيما يعرف اليوم بجبانة الإمام الشافعي. وهكذا اجتمع في المكان فقيه وراوية قراءة، ليمنح الجبانة مكانة علمية وروحية فريدة.
تاريخ هؤلاء الأئمة الثلاثة يعكس صورة من صور القاهرة الإسلامية التي جمعت بين الفقهاء والمحدثين والقراء، واحتضنت الجبانة جسد الأولياء المزني وورش ووكيع، إلى جوار الإمام الشافعي نفسه، لتتحول المنطقة إلى متحف مفتوح للتاريخ الإسلامي، حيث تتجاور القباب والأضرحة مع قصص العلماء الذين نشروا الدين بعلمهم وورعهم.