كنوز مقبرة الملك آمون إم أوبت في المتحف المصري بالتحرير

في قلب مدينة تانيس الأثرية، أو ما يُعرف اليوم بـ صان الحجر بمحافظة الشرقية، يرقد ملك لم ينل نصيبًا وافرًا من الشهرة مثل توت عنخ آمون أو رمسيس العظيم، لكنه ترك خلفه قصة غنية وكنوزًا فريدة. إنه الملك آمون إم أوبت، وأحد ملوك الأسرة الحادية والعشرين خلال ما يُسمى بـ عصر الانتقال الثالث.
وُلد آمون إم أوبت ابنًا للملك پسوسنس الأول، وكان اسمه يعني "آمون في عيد الأوبت"، وهو احتفال ديني ضخم في طيبة يجدد العهد بين الملك والإله آمون. تولى الحكم نحو عام 1001 قبل الميلاد، وظل على العرش قرابة تسع سنوات فقط، حتى وفاته عام 992 ق.م. ورغم حمله للقب الفرعوني، فإن سلطته لم تكن مطلقة، إذ تقاسم النفوذ مع الكهنة الكبار في طيبة الذين فرضوا هيمنتهم على الجنوب.
جاءت لحظة الكشف عن مقبرته في أبريل 1940 حين نجح عالم المصريات الفرنسي پيير مونتيه في العثور عليها أثناء حفرياته في تانيس. كان الاكتشاف مذهلًا: توابيت خشبية مغطاة بأوراق الذهب، أساور وقلائد وصدرية على هيئة جعران، إلى جانب قناع جنائزي مذهّب يُظهر ملامح الملك الشاب. لكن الحرب العالمية الثانية أوقفت الحفائر سريعًا، لتظل المقبرة حديث العلماء بعد ذلك لسنوات طويلة.
وبالمقارنة مع مقبرة والده الفاخرة، بدت مقبرة آمون إم أوبت أكثر بساطة؛ فبينما امتلك پسوسنس توابيت من الفضة الخالصة وقناعًا فريدًا من الذهب والفضة، اكتُفي للابن بتوابيت من الخشب المذهّب وقناع من طبقات مطلية بالذهب. ومع ذلك، تظل هذه المقتنيات اليوم من أبرز كنوز المتحف المصري بالتحرير، حيث تجذب أنظار الزائرين بجمالها ودقتها الفنية.
إن اكتشاف مقبرة آمون إم أوبت لم يضف فقط صفحة جديدة في سجل الآثار المصرية، بل ألقى الضوء على حقبة مضطربة من التاريخ، كان فيها العرش محاصرًا بنفوذ الكهنة. ورغم أن الزمن حاول أن يطوي اسم هذا الملك في النسيان، فإن مقتنياته المعروضة الآن تعيد إليه ألقه، لتصبح شاهدًا على صراع السلطة بين المعبد والعرش، ورمزًا لمرحلة دقيقة في مسيرة الحضارة المصرية.