الخميس 9 مايو 2024 03:49 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

هل الأزمة الإقتصادية الحالية أكبر من قدرة البنوك المركزية ؟

صورة
صورة

يقول المحلل الاقتصادي ماركوس أشوورث، في تحليل نشرته بلومبيرج، إن الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة والتي جاءت متأخرة وقليلة للغاية، وتقليص الميزانيات لن تمنع معدلات التضخم من الوصول إلى أكثر من 10%.

في الوقت نفسه فإن تبني سياسات نقدية، تدفع الإقتصاد في إتجاه الركود بعد سنوات من تبني سياسات نقدية فائقة المرونة، لن يكون سوى فشل جديد بنكهة مختلفة، والمطلوب بحسب أشوورث، الذي أمضى 3 عقود في القطاع المصرفي، هو أن تتحمل السياسات المالية جزءا أكبر من عبء تنشيط الاقتصاد.

وبعد فترة قصيرة من التفكير المشترك بين البنوك المركزية والحكومات، عندما زاد الإنفاق الحكومي بالتنسيق مع برامج التحفيز المبتكرة من جانب البنوك المركزية، عدنا إلى الوضع الذي تكون فيه البنوك المركزية هي الحصن الوحيد ضد الركود.

فالانفصال الحالي، بين مستويات السياسة المالية التي تضعها الحكومات، والسياسة النقدية التي تضعها البنوك المركزية، يضع صناع السياسة النقدية والمسؤولين عن الاستقرار المالي واستقلالهم عن الحكومة، في دائرة الهجوم بشكل خطير.

وهنا يحذر ماركوس أشوورث من أن السير على حبل مشدود بين الرغبة في مكافحة التضخم المرتفع ودخول الاقتصاد في دائرة الركود يمثل معضلة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي.

حيث أنه في حين يطالب الصقور في مجلس محافظي البنك بسرعة سحب برامج التحفيز والتخلي عن أسعار الفائدة السلبية، تتزايد مخاطر دخول إقتصادات منطقة اليورو إلى دائرة التباطؤ خلال العام المقبل مع التسريع في سحب حزم التحفيز.

ومع ذلك يتبقى شعاع من الأمل بتجنب هذا السيناريو الكابوسي، وهو تراجع إحتمالات إستمرار إرتفاع الأجور، مما يحد من سرعة إرتفاع معدلات التضخم
وأوضح أنه إنطلاق من هذه النقطة بالتحديد تستطيع الحكومات المساعدة في الأمر من خلال تخفيف تأثير ا٦رتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين من أجل تخفيف آثار الموجة التضخمية الثانية.

وقد حقق الاتحاد الأوروبي نجاحا كبيرا عندما أنشأ "صندوق الجيل القادم" بقيمة 800 مليار يورو لمساعدة الدول الأعضاء في مواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا. لكن استجابة الاتحاد المالية لتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا كانت باهتة.

وتعتبر مرونة الاتحاد الأوروبي في مواجهة الصعوبات أبرز نقاط قوته، لذلك يجب أن يطور حزمة إجراءات للحفاظ على النمو الاقتصادي والحد من تداعيات ارتفاع الأسعار بسبب الحرب الروسية، جنبا إلى جانب تنسيقه الحالي للتحركات العسكرية والعقوبات على روسيا.

وخارج دائرة الاتحاد الأوروبي نجد أن مهمة بنك إنجلترا المركزي في التعامل مع الأزمة الراهنة أصعب في ظل إصرار وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك على زيادة الضرائب، بدلا من تخفيفها.

بالطبع لن يكون الأمر جيدا بالنسبة للمركزي البريطاني، عندما يقرر زيادة سعر الفائدة للمرة الرابعة على التوالي، في الوقت الذي يحذر فيه من تزايد مخاطر ركود الاقتصاد.

فالاعتماد على زيادة أسعار الفائدة فقط، يمكن أن يؤدي إلى اشتداد حدة ارتفاع نفقات المعيشة، وهو ما أدى إلى تزايد الانقسام بين أعضاء لجنة السياسة النقدية، حيث يرى بعضهم أولوية الحاجة إلى الحد من التضخم، في حين يرى البعض الآخر مخاطر الانكماش المالي للحكومة.

وتصم الحكومة البريطانية آذانها عن دعوات خبراء المالية من أجل تخفيف حدة التراجع القادم في مستويات المعيشة.

ومع المؤشرات على تراجع رغبة المركزي البريطاني في التعامل مع أزمة ارتفاع اسعار المستهلك والكساد المتوقع، يشعر المتعاملون في أسواق المال والمستثمرون بقلق متزايد بشأن الأصول المقومة بالجنيه، بحسب أشوورث الذي عمل مديرا لتخطيط الأسواق في شركة هايتونج سيكيوريتز في لندن.

وعلى الجانب الآخر لا يرى المركزي الأمريكي، عقبات أمام تشديد السياسة النقدية وبوتيرة متسارعة، وسيؤدي هذا لتزايد التباين في أسعار الفائدة بين العملة الأمريكية والعملات الرئيسية الأخرى، وهو ما يدفع بالدولار لمزيد من الارتفاع وفوضى في سوق الصرف، خاصة في الاقتصادات الصاعدة.

ولكن ليس أمام المركزي الأمريكي خيارات كثيرة، غير التخلص من حزم التحفيز الحكومية الضخمة، كما تواجه أمريكا شبح الشلل السياسي بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وسيطرة المعارضة الجمهورية المتوقعة على الأغلبية مما يزيد من مصاعب إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن.

ويسعى المركزيان الأمريكي والبريطاين، إلى تهدئة وتيرة النشاط الاقتصادي وكبح جماح الطلب الاستهلاكي من خلال تشديد السياسة النقدية، لكن هذا لا يخاطر فقط بإهدار تريليونات الدولارات التي تم إنفاقها على جهود التعافي الاقتصادي بعد الجائحة، وإنما يهدد أيضا بخروج الأمور كلها عن السيطرة.

وفي هذه الحالة يمكن أن يكون العلاج الذي يلجأ إليه البنكان المركزيان، أسوأ من المرض نفسه، مع تآكل الثقة المتراجعة بالفعل، في قدرة البنوك المركزية على القيام بواجباتها.

ويرى، أنه لا أحد يريد عودة سلطة السياسيين على صناعة السياسة النقدية، وتحديد أسعار الفائدة، لذلك يجب إدراك حدود ما يمكن أن تحققه السياسة النقدية بمفردها، عندما تعرض العالم لإجراءات الإغلاق، ثم إعادة الفتح في ظل اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وأزمة الطاقة الناجمة عن حرب أوكرانيا.

لا تملك البنوك المركزية سيطرة تذكر على جانب العرض في الاقتصاد، لكنها تستطيع بالتأكيد خنق الطلب الذي سعت خلال السنوات السابقة إلى تشجيعه وتحفيزه بسخاء، في المقابل تستطيع الحكومات تشجيع جانب الإنتاج والعرض، لكن عندما يكون ذلك مبررا من الناحية التجارية.

وتحتاج مشروعات البنية التحتية والمشروعات العملاقة إلى وقت طويل قبل أن تؤتي ثمارها، لكن هناك الكثير الذي يمكن أن تحققه السياسة المالية في هذا الشأن، بخاصة من خلال خفض الضرائب والحوافز الاستثمارية.

واختتم تحليله بالقول إنه حان الوقت الآن لكي تكرر السلطات في العالم النزعة الإبداعية التي أظهرتها أثناء الجائحة، فعليها التحرك دون تأخير

موضوعات متعلقة