الأربعاء 24 أبريل 2024 09:51 صـ 15 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

صورة وحكاية ” سبيل محمد على”

صورة وحكاية " سبيل محمد على"
صورة وحكاية " سبيل محمد على"

في عام 1821 عهد محمد علي باشا والي مصر إلى صهره محمد بك الدفتردار فتح كردفان في السودان ، وتمكن الجيش المصري بقياده الدفتردار باشا و نائبه اسماعيل باشا ابن محمد علي من تحقيق النصر في موقعة " بارة " و احتلال مدينة الابيض عاصمة كردفان وقد ابدى جيش كردفان شجاعة كبيرة ، ولكن مدافع الجيش المصري غلبتهم على امرهم .

مكث اسماعيل باشا زمنا في كردفان يدبر امر الحكومة التي أسسها لكن سرعان ما حدثت ثورة ضد حكمه من جانب أهالي حلفاية وشندي وما حولهما وكانت مساوئ جنود اسماعيل باشا و خاصة الأرناؤط من اسباب هياج الاهالي وثورتهم ، فاحتشد الثوار حول حلفاية وشندي وهجموا على قوافل اسماعيل باشا فأنتزعوها ورجعوا فرحين بهذا النصر المبين ..

علم اسماعيل باشا بهذا النبأ ، فقام من فوره قاصدا شندي ومعه بقية الجيش ، وكان الملك نمر ملك شندي هو المدبر لهذه الثورة ، فجائه اسماعيل المدينة باحتلال المدينة و امر باحضاره أمامه ، فلما مثل ملك شندي بين يديه اخذ يقرعه ويسرف في تأنيبه ، ثم تمادي فلطمه على وجهه بالشبك ، فلم يجب الملك على هذه الاهانة البالغة ، ولكنه اسرها في نفسه وعزم على ان يغسلها بانتقام ذريع.

اما إسماعيل باشا فقد عفا عنه مقابل غرامة مالية جسيمة يوفيها في خمسة أيام , أظهر الملك نمر الاذعان وقبل ان يحتمل الغرامة ، ثم دعا اسماعيل باشا وبطانته الى وليمة في قصره بشندي ، فأجابوا الدعوة وذهبوا الى القصر ورحب بهم الملك ترحيبا عظيما ، وامر اعوانه ان يجمعوا ما استطاعوا من الحطب والقش والتبن حول القصر بحجة العلف لخيل الباشا ، و لم يدر بخلد الضيوف ان ثمة مؤامرة رهيبة تدبر لهم ، فلما فرغوا من الطعام واكثروا من الشرب اخذوا يتأهبون للعودة الى معسكرهم ، فاذا النار قد إندلعت في اكوام الحطب والقش المحيطة بالقصر فجعلت القصر شعلة من الجحيم ، وحاصرت النيران اسماعيل باشا وحاشيته فلم يستطيعوا الافلات من هذا الحصار الجهنمي لهول النار المشتغلة ولاحاطة جنود الملك بهم يرمونهم بالنبل والسهام من كل ناحية . فسدت المسالك في وجوههم حتى ماتوا عن آخرهم ، ولم يستطع الجند نجدتهم اذ كانوا في معسكرهم بعدين عن مكان المأساة ...

كانت هذه النازلة كارثة كبرى اثرت تأثيرا سيئا في مركز الجيش المصري ، وتصدعت لها هيبته ، فان مقتل قائد الجيش بهذه الطريقة الجهنمية من شأنه ان يبعث اليأس والرعب في نفوس الجنود

فلما بلغ الخبر محمد علي باشا حزن حزنا شديدا لقتل ابنه اسماعيل وخاصة بعد أن فقد منذ أعوام معدودة ابنه طوسون ، إلا أنه تلقى المصيبة بالجلد واعتزم المضي في سبيله .

وكأنّه تكفير عن ذنبٍ كبير اقترفه الأب فيما مضي " مذبحة المماليك " فوقعَ ضحيته الإبن ، انشأ محمد علي باشا هذا السبيل ، صدقةً على روح ولده إسماعيل باشا ، والذي توفى في السودان، عام 1822 ، بعدّ أن أرسله والده ، محمد علي باشا ، إلى السودان لكّى يتصدى لحروب الحبشة ، ولكنه سقط قتيلاً في النهاية ، فظلَ محمد علي يشعُر بالذنب تجاه ولدهُ المتوفى، وانشأ لهُ هذا السبيل وكأنّه يُقدم صكوك الغفران.

اختارَ محمد علي أنّ يبني السبيل وسط صخَب المنطقة التُجارية في شارع المُعز ، فاستورد أخشابًا ورُخام أبيض من تُركيا ، كمّا استعان بحرفيين أتراك لأجل بناء السبيل. ليخرُج في النهاية تُحفة معمارية. حيثُ يتميز السبيل بالواجهة الرُخامية، والتي تُزينها النقوش النباتية والآيات القرآنية، بالإضافة إلى الشبابيك المُزخرفة.

موضوعات متعلقة