الأربعاء 24 أبريل 2024 03:31 مـ 15 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

صورة اليوم : ”اللواء محمد نجيب”

كتب - عادل محمود

عسكري مصري وهو أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية في (18 يونيو 1953)، كما يعد قائد ثورة 23 يوليو 1952 التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر.

تولى منصب رئيس الوزراء في مصر خلال الفترة من (8 مارس 1954 ـ 18 أبريل 1954)، وتولى أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ثم وزير الحربية عام 1952.

ولد محمد نجيب بالسودان، والتحق بـكلية غردون ثم بالمدرسة الحربية وتخرج فيها عام 1918، ثم التحق بالحرس الملكي عام 1923. حصل على ليسانس الحقوق في عام 1927 وكان أول ضابط في الجيش

المصري يحصل عليها. حصل على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929 ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931.

في ديسمبر 1931 رقي إلى رتبة اليوزباشي (نقيب) ونقل إلى سلاح الحدود عام 1934 في العريش، ثم أصبح ضمن اللجنة التي أشرفت على تنظيم الجيش المصري في الخرطوم بعد معاهدة 1936، وقد أسس مجلة الجيش المصري عام 1937 ورقي لرتبة الصاغ (رائد) في 6 مايو 1938. قدم محمد نجيب استقالته عقب حادث 4 فبراير 1942 الذي حاصرت فيه الدبابات البريطانية قصر الملك فاروق لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء، وقد جاءت استقالته احتجاجاً لأنه لم يتمكن من حماية ملكه الذي أقسم له يمين الولاء، إلا أن المسؤولين في قصر عابدين شكروه بامتنان ورفضوا قبول استقالته. رقي إلى رتبة القائمقام (عقيد) في يونيو 1944. وفي تلك السنة عين حاكماً إقليمياً لسيناء، وفي عام 1947 كان مسؤولا عن مدافع الماكينة في العريش. ورقي لرتبة الأميرالاي (عميد) عام 1948.

شارك في حرب فلسطين عام 1948 وأصيب 7 مرات، فمنح نجمة فؤاد العسكرية الأولى تقديراً لشجاعته بالإضافة إلى رتبة البكوية، وعقب الحرب عين مديرا لمدرسة الضباط، وتعرف على تنظيم الضباط الأحرار من خلال الصاغ عبد الحكيم عامر، وفي 23 يوليو عام 1952 نفذت الحركة خطة يوليو والتي سميت بـ(الحركة التصحيحية) وانتهت بتنازل الملك فاروق عن العرش لوريثه ومغادرة البلاد، وفي عام 1953 أصبح نجيب أول رئيس للبلاد بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية.

أعلن مبادئ الثورة الستة، وحدد الملكية الزراعية، لكنه كان على خلاف مع ضباط مجلس قيادة الثورة بسبب رغبته في إرجاع الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية المدنية، ونتيجة لذلك قدم استقالته في فبراير، ثم عاد مرة ثانية بعد أزمة مارس، لكن في 14 نوفمبر 1954 أجبره مجلس قيادة الثورة على الاستقالة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بعيداً عن الحياة السياسية ومنع أي زيارات له، حتى عام 1971 حينما قرر الرئيس السادات إنهاء الإقامة

الجبرية المفروضة عليه، لكنه ظل ممنوعاً من الظهور الإعلامي حتى وفاته في 28 أغسطس 1984.

بالرغم من الدور السياسي والتاريخي البارز لمحمد نجيب، إلا أنه بعد الإطاحة به من الرئاسة شُطب اسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تماما طوال ثلاثين عاماً حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي، وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر، واستمر هذا الأمر حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور من جديد وأعيدت الأوسمة لأسرته، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، وفي عام 2013 منحت عائلته قلادة النيل العظمى.

كانت بداية معرفة محمد نجيب على المستوى الشعبي، وعلى مستوى الجيش المصري، في أثناء مشاركته في حرب 1948، ورغم رتبته الكبيرة (عميد) كان على رأس صفوف قواته، اذ أصيب في هذه الحرب 7 سبع مرات كانت ثلاثة منها إصابات خطيرة « لذلك تم وضع شارة بالرقم ( 3 ) على بدلته العسكرية الرسمية»، وكانت أخطرها الإصابة الثالثة والأخيرة في معركة ( التبه

86 ) في ديسمبر 1948، حيث أصيب برصاصات أثناء محاولته إنقاذ أحد جنوده عندما تعطلت دباباته، وكانت إصابة نجيب شديدة حيث استقرت الرصاصات على بعد عدة سنتيمترات من قلبه، وحينما اختبأ خلف شجرة وجد الدم يتفجر من صدره، وكتب وصيته لأولاده قال فيها «تذكروا يا أبنائي أن أباكم مات بشرف. وكانت رغبته الأخيرة أن ينتقم من الهزيمة في فلسطين ويجاهد لوحدة وادي النيل.

عندما نقل إلى المستشفى اعتقد الأطباء أنه استشهد، ودخل اليوزباشي صلاح الدين شريف لإلقاء نظرة الوادع على جسده فنزع الغطاء وسقطت دمعة على وجه محمد نجيب وتحققت المعجزة فقد تحركت عيناه فجأة فأدرك الأطباء أنه لا يزال على قيد الحياة وأسرعوا بإسعافه، وقتها حصل على « نجمة فؤاد العسكرية الأولى» تقديراً لشجاعته في هذه المعركة مع منحه لقب البكوية فقد كان أول ضابط مصري يقود ما يربو على الفيلق بمفرده.

بعد حرب 1948 عاد نجيب إلى القاهرة قائدا لمدرسة الضباط العظام، وتيقن أن العدو الرئيسي ليس في

اليهود وبقدر ما هم هولاء الرجال الذين يرتكبون خلف ظهورنا الاثام والموبقات يطعنون شرفهم بما يرتكبون من حماقات، وكان يردد دائمًا أن المعركة الحقيقة في مصر وليست في فلسطين، ولا يتردد أن يقول هذا الكلام أمام من يثق فيهم من الضباط، وفي فترة من الفترات كان الصاغ عبد الحكيم عامر أركان حرب للواء محمد نجيب، ويبدو أن كلام محمد نجيب عن الفساد في القاهرة قد أثر فيه فذهب إلى صديقه جمال عبد الناصر وقال له كما روى عامر لنجيب بعد ذلك: لقد عثرت في اللواء محمد نجيب على كنز عظيم.

كان جمال عبد الناصر قد بدأ في تشكيل تنظيم الضباط الأحرار منذ عام 1949، حيث تسببت هزيمة فلسطين في بث حالة من السخط والرغبة في القضاء على الإقطاع والفساد الداخلي وإنشاء جيش قوي، مع الالتزام في نظامه بالسرية المطلقة، كان التنظيم يريد ان يقوده أحد الضباط الكبار لكي يحصل التنظيم على تأييد باقي الضباط، وبالفعل عرض عبد الناصر الأمر على محمد نجيب فوافق على الفور.

يقول ثروت عكاشة – أحد الضباط الأحرار - في كتابه

«مذكراتي بين السياسة والثقافة»: «كان اللواء محمد نجيب أحد قادة الجيش المرموقين لأسباب ثلاثة: أولها أخلاقياته الرفيعة، وثانيها ثقافته الواسعة، فهو حاصل على ليسانس الحقوق، وخريج كلية أركان الحرب ويجيد أكثر من لغة، وثالثها شجاعته في حرب فلسطين التي ضرب فيها القدوة لغيره وظفر بإعجاب الضباط كافة في ميدان القتال».

كان اختيار تنظيم الضباط الأحرار لمحمد نجيب سر نجاح التنظيم داخل الجيش، فكان ضباط التنظيم حينما يعرضون على باقي ضباط الجيش الانضمام إلى الحركة كانوا يسألون من القائد، وعندما يعرفوا أنه اللواء محمد نجيب يسارعون بالانضمام.

وقال المؤرخ العسكري اللواء جمال حماد وهو أحد الضباط الأحرار أن الحركة لم تكن لتنجح لولا انضمام محمد نجيب إليها لما كان له من سمعة طيبة في الجيش، ولما كان لمنصبه من أهمية، إذ أن باقي الضباط الأحرار كانوا ذوو رتب صغيرة وغير معروفين.

كانت أولى أيام نجيب في الرئاسة مفعمة بالمشاكل

والصدام خاصة مع رغبة عبد الناصر في تعيين صديقه عبد الحكيم عامر قائدا عامًا للقوات المسلحة وترقيته مباشرة من رتبة صاغ إلى رتبة لواء، إذ أن هذا القرار كان يتعارض مع قواعد الجيش بسبب تخطيه العديد من الرتب ويتعدى على نظام الأقدمية المتبع في الجيش، ولذلك رفض محمد نجيب هذا الأمر، وظل يقاومه لأكثر من 3 أسابيع حتى رضخ في النهاية أمام قرار المجلس وأصدر قراراه بتعيين عامر.

كانت أولى قرارات نجيب هو إنشاء قوات الحرس الوطني وهي قوة عسكرية قائمة على التطوّع الشعبي كي تكون عونا للجيش النظامي الأساسي في الذود عن استقلال البلاد، كان الخلاف على تعيين عبد الحكيم عامر نقطة تحول بالنسبة لنجيب حيث وجد أن مقاليد السلطة بدأت تتجمع في يد بعض الشخصيات وأصبحت تتمتع بنفوذ وقوة كبيرة، مما جعله يفكر في إرساء الحياة المدنية مرة أخرى وإنهاء سيطرة الجيش على الحكم.

كان أول خلاف بينه وبين ضباط القيادة حول محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي، ثم

حدث خلاف ثان بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين وكان من بينهم مصطفى النحاس، فرفض اعتقال النحاس باشا، لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس، وأصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة ومنها مصادرة 322 فدانا من أملاك زينب الوكيل حرم النحاس باشا، كما حكمت على أربعة من الصحفيين بالمؤبد وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية.

ويضاف إلى هذه القرارات قرارات أخرى صدرت رغم أنه رفض التوقيع عليها منها القرار الجمهوري بسحب الجنسية المصرية من ستة من المصريين من الأخوان المسلمين، وزاد الصدام بينه وبين مجلس القيادة عندما اكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته، ورفض زكريا محي الدين أن يؤدي اليمين الدستورية أمامه بعد تعيينه وزيرا للداخلية وكذلك رفض جمال سالم.

قال محمد نجيب في مذكراته أنه اكتشف أن رجال الثورة كانوا قد عقدوا العديد من الاجتماعات بدونه، كل هذه الأمور دفعته لكي يفكر جديا في تقديم استقالته.

استقالة اللواء محمد نجيب

(بسم الله الرحمن الرحيم

السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة.. بعد تقديم وافر الاحترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية. ولذلك فإني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها، وأني إذ أشكركم علي تعاونكم معي أسأل الله القدير أن يوفقنا إلى خدمة بلدنا بروح التعاون والأخوة.

اللواء محمد نجيب

رئيس الجمهورية

رئيس مجلس قيادة الثورة)

بهذه العبارات المختصرة قدم محمد نجيب استقالته في 22 فبراير 1954.وفي 25 فبراير أصدر مجلس القيادة بيان إقالة محمد نجيب، وادعى البيان أن محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس وأن يكون له حق الاعتراض على قرارات المجلس حتى

ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع، وادعى أيضا أنه اختير قائدا للثورة قبل قيامها بشهرين، وأنه علم بقيام الثورة ليلة 23 يوليو من مكالمة تليفونية من وزير الداخلية فتحرك إلى مبنى القيادة وهناك تقابل مع عبد الناصر الذي وافق على ضمه وتنازل له عن رئاسة المجلس.

لكن بعد إذاعة بيان إقالته على الملإ خرجت الجماهير تحتج عليه وانهالت البرقيات على المجلس ودور الصحف ترفض الاستقالة. واندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تهتف (محمد نجيب أو الثورة) وفي السودان اندلعت مظاهرات جارفة تهتف (لا وحدة بلا نجيب)، وانقسم الجيش بين مؤيد لعودة محمد نجيب وإقرار الحياة النيابية وبين المناصرين لمجلس قيادة الثورة.

وكان سلاح الفرسان أكثر أسلحة الجيش تعاطفا مع محمد نجيب، وأشرفت البلاد علي حرب أهلية وتداركا للموقف أصدر مجلس القيادة بيانا الساعة السادسة من مساء 27 فبراير 1954 جاء فيه «حفاظا على وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب

رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته على ذلك»، وعاد محمد نجيب مجدداً إلى منصبه كرئيس للجمهورية.

وبالرغم من بيان مجلس الثورة الذي اتسم بعدائية واضحة إلا أنه لم يتخذ قرارا بهذا الشأن، حتى أن اليوزباشي رياض قائد الحرس الخاص بنجيب عرض عليه التحرك والتحفظ على أعضاء مجلس قيادة الثورة، إلا أن نجيب رفض هذه الفكرة منعاً للصدام المباشر، إلا أن محمد نجيب صرح لاحقاً عقب نكسة 1967 بأنه نادم بشدة على عدم حسم هذا الأمر في وقته، حيث كان يتمتع بشعبية كبرى وولاء العديد من القيادات له.

تم تحديد إقامته

أقيمت حول الفيلا حراسة مشددة، وفرض على جميع من بالمنزل عدم الخروج في الفترة من الغروب إلى الشروق، وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه الجنود، اعتاد الجنود أن يطلقوا الرصاص في منتصف الليل وفي الفجر، كانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلى المدرسة فيصلون إليهم متأخرين ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من فيها.

بتاريخ 21 أبريل 1983 أمر الرئيس حسني مبارك تخصيص فيلا في حي القبة بمنطقة قصر القبة بالقاهرة لإقامة محمد نجيب، بعدما صار مهددا بالطرد من قصر زينب الوكيل نتيجة لحكم المحكمة لمصلحة ورثتها الذين كانوا يطالبون بالقصر، وهو القصر الذي عاش فيه لمدة 29 سنة منها 17 سنة وهو معتقل.

وحينما سأله بعض الإعلاميين كيف يخرج من جديد إلى الحياة العامة قال وقتها: « إلى أين أذهب بعد 30 سنة لم أخرج فيها إلى الحياة. ليس لدي معارف أو أحد يهتم بي. أنا أعيش هنا وحدي بعد أن مات اثنان من أولادي ولم يبق غير واحد منهم، فإلى أين أذهب؟»

تُوفي محمد نجيب في 28 أغسطس 1984 بعد دخوله في غيبوبة في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، إثر مضاعفات تليف الكبد. بعد أن كتب مذكراته شملها كتابه كنت رئيسا لمصر، ويشهد له أن كتابه خلا من أي اتهام لأي ممن عزلوه.

على الرغم من رغبة محمد نجيب في وصيته أن يدفن

في السودان بجانب أبيه، إلا أنه دفن في مصر بمقابر شهداء القوات المسلحة في جنازة عسكرية مهيبة، من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وحمل جثمانه على عربة مدفع، وقد تقدم الجنازة الرئيس المصري حسني مبارك شخصيا وأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقين على قيد الحياة.