الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:52 مـ 14 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

ختام شهر رمضان 


كتب ـ محمد عادل



الحمد لله رب العالمين وبعد :



 فإننا اليوم نترقب محزونين انتهاء شهر رمضان ، كما كنَّا بالأمس القريب نتقرب قدومه فرحين ، وحُقَّ لكل مسلم أن يفرح بقدومه ، وأن يأسى ويحزن لفراقه ؛ لأنه شهر البركة، وموسمٌ عظيم تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النيران ، وتصفد فيه الشياطين ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر ، من صام هذا الشهر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه .



 موسمٌ تضاعف فيه الحسنات ، وتكفر فيه السيئات ، وتغفر فيه الذنوب . 



شهر الصيام والقيام ، وإطعام الطعام ، وقراءة القرآن ، والمبادرة إلى فعل الخير ، شهر العتق من النار. 



إن كان الشهر قد انقضت أيامه مسرعة ، فهذه سنة الله في خلقه ، فنترقب لكل موجودٍ زوالًا ، ولكل مقيمٍ انتقالاً، إنها تذكرة لمن يتذكر ، وعظةٌ لمن يتعظ أن الأعمار سريعة الإنقضاء والإنتهاء ، فكل ما مضى من العمر وإن طال فإنه كحلم ، وإذا انقضى الشيء فكأنه ما كان . فلا تغرنكم هذه الحياة بزخرفها وزهرتها فإنها حياةٌ فانيةٌ عن قريب ، ثم تصيرون إلى دار الخلود الذي لا موت فيها ، 


فاجتهدوا أن تكونوا في الحياة الآخرة من أهل دار السرور والحبور دار القصور المنيفة، والدرجات الشريفة، دار الجنان والأنهار، دار التلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم، دار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا فاللهم اجعلنا من أهلها. 


واحذروا ثم احذروا من المصير إلى دار الأحزان والحسرات، دار الأغلال والسعير، دار الضريع والزقوم، دار الخزي والهوان فبئست الدار وبئس القرار أعاذنا الله وإياكم منها. 



 إن طريق الجنة الإيمان والعمل الصالح، وإن طريق النار الكفر بالله ومعصيته فاتقوا الله في أنفسكم وتزودوا في دنياكم لمعادكم، واسلكوا سبيل الجنة واحذروا سبل النار، 



إن المتبقي من شهر رمضان وإن كان قليلًا إلا أنه عظيم الشأن فبادروا بالتوبة النصوح، بادروا إلى الاستغفار والذكر والدعاء والتضرع إلى الله. فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «رمضان إلى رمضان كفارةٌ لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر». فيا أيها المصرون على الصغائر، ويا أيها الواقعون في الكبائر بادروا بالتوبة والإقلاع لعلَّ الله أن يشملكم برحمته وغفرانه ورضوانه فإنها فرصة قد لا تدركونها بعد عامكم هذا. 



 يا من وفقتم لصيام الشهر وقيامه، ويا من وفقتم إلى تلاوة القرآن والمبادرة إلى كثيرٍ من الأعمال الصالحة لا تركنوا إلى أعمالكم، ولا تغتروا بما قدمتم فما وفقتم إلى عملٍ صالح إلا بتوفيق الله لكم وإعانته إياكم فاحمدوا الله واشكره له على إنعامه، وسلوا ربكم القبول فإن المؤمن الصادق هو الذي يجمع بين العمل الصالح والخوف من الله –عزَّ وجلَّ- ألا يقبل منه عمله كما قال -سبحانه-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون:60]. 



وروى أحمد عن عائشة –رضي الله عنها- أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أهل هذه الآية أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ فقال: «لا يا ابنة الصديق، ولكنَّهم الذين يصلون ويتصدقون، ويخافون ألا يقبل منهم». فابتهلوا إلى الله وتضرعوا إليه أن يتقبل منكم عملكم الصالح ، 



إن من الناس من يرى شهر رمضان شهرًا للعبادة، وأن ما عداه من الشهور شهور تقصيرٍ وتفريطٍ ومعصية؛ ولهذا فهم في رمضان من أهل صلاة الجماعة، ومن أهل قيام الليل، ومن أهل قراءة القرآن، ومن أهل البر والصدقة والإحسان يصون البصر، ويصون السمع فإذا انتهى رمضان هدم ما بنا ونقض ما عقد، وأفسد ما أصلح، وهجر القرآن فلا يقرؤه إلا قليلًا وهجر صلاة الجماعة فلا يشهدها أو لا يشهدها إلا قليلًا، وإذا قام إليها قام كسلانًا ثقيلًا يطلق العنان لبصره ولسمعه فلا يبالي أصرفها في حلالٍ أم حرام. يلغ في أكل الحرام كأن ما حلَّ بيده فهو حلالٌ فهذا الصنف على خطرٍ عظيم؛ لأنهم ما فهموا حقيقة العبادة التي خلقوا لأجلها؛ لأن الله خلق الثقلين لعبادته وأمرهم بها إلى أن يلقونه كما قال –عزَّ وجلَّ-: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر:99]. 



يقول الحسن البصري –رحمه الله-: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت". 



إن هذا الصنف من الناس لم يفهم أن رمضان موسم للازدياد من العبادة والطاعة والبر ولكنَّه فهم أن موسم رمضان موسمٌ للطاعة، وأن ما عداه مواسم للغفلة والتضييع والتفريط. راجعوا أنفسكم وراجعوا فهمكم لحقيقة دينكم، راجعوا أنفسكم وتذكروا أنكم تعبدون رب رمضان ولا تعبدون رمضان وبئس القوم الذين لا يعرفون ربهم إلا في رمضان، راجعوا أنفسكم وتذكروا أن العبرة بالخواتيم، والذي يحسن في رمضان ويسيء بعده لم يختم عمله بخير وإنما يَختم بخير من كان عمله كله خيرًا؛ لأنه متى جاء الأجل صادفه على عملٍ صالح. فداوموا على فعل الخيرات وترك المنكرات تفوزوا وتسعدوا .، 



إن مواسم ربنا ونفحاته ليست خاصةً برمضان فلله مواسم أخرى جعلها لعباده حتى يتزودوا فيها من الصالحات؛ ولذا شرع لهم صيام ستٍ من شوال بعد رمضان، وشرع لهم صيام الاثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، ورتب لهم على صومهم الأجر والثواب الجزيل. وينزل ربنا في كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فينادي عباده يدعوهم إلى التوبة وإلى الاستغفار، وإلى سؤاله الحاجات وذلك في كل ليلة، وفي يوم الجمعة ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ يدعو الله إلا استجاب الله دعاءه. وشرع لعباده: الاستكثار من الأذكار، ورتب على الذكر رفع الدرجات وزيادة الحسنات، وتكفير السيئات ولو كانت مثل زبد البحر . وشرع لعباده: نوافل الصدقات وقراءة القرآن وغير ذلك من أبواب الطاعة فمن شاء فليتزود فإن السفر بعيدٌ، والرحلة شاقة وخير الزاد التقوى .


 فاللهم تقبل صيامنا وقيامنا وطاعاتنا واغفر لنا ذنوبنا وسيئاتنا 


 اللهم تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنَّا إنك أنت الغفور الرحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اختم لنّا هذا الشهر يا رب العالمين بخير، اللهم اجعله شهر مغفرةً ورحمة لنَّا يا رب العالمين. اللهم تقبل منَّا فيه الصيام، وتقبل منَّا فيه القيام، وتقبل منَّا فيه قراءة القرآن. اللهم ثبتنا على دينك يا رب العالمين، اللهم إنَّا نعوذ بك من مضلات الفتن، اللهم إنَّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبت قلوبنا على دينك يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك .