أنباء اليوم
الإثنين 10 نوفمبر 2025 06:07 مـ 19 جمادى أول 1447 هـ
 أنباء اليوم
رئيس التحريرعلى الحوفي

حجر رشيد مفتاح أسرار الحضارة المصرية القديمة


يُعد حجر رشيد من أعظم الاكتشافات الأثرية في تاريخ البشرية، إذ فتح الباب أمام العلماء لفهم اللغة المصرية القديمة التي ظلت لغزاً غامضاً لقرون طويلة.

تم اكتشاف الحجر عام 1799 أثناء الحملة الفرنسية على مصر، عندما كان الجنود يعملون في ترميم أحد الحصون بمدينة رشيد بمحافظة البحيرة. وأثناء الحفر، عثر الضابط الفرنسي بيير بوشار على لوح من حجر البازلت الأسود يبلغ طوله نحو 114 سنتيمتراً وعرضه 72 سنتيمتراً وسُمكه 28 سنتيمتراً، منقوش عليه نص واحد بثلاث لغات مختلفة: الهيروغليفية في الأعلى، والديموطيقية في الوسط، واليونانية القديمة في الأسفل.

أدرك العلماء حينها أن الحجر يمثل مفتاحاً لفك رموز اللغة المصرية القديمة، لأن النصوص الثلاثة تتحدث عن مرسوم ملكي صدر في عهد الملك بطليموس الخامس عام 196 قبل الميلاد. وبمقارنة هذه النصوص، أمكن في النهاية فهم المعاني التي ظلت غامضة لقرون طويلة.

لكن قصة حجر رشيد لم تتوقف عند الاكتشاف فقط، بل شهدت فصولاً من السرقة والنزاع الدولي. فبعد هزيمة الفرنسيين في مصر عام 1801، استولى البريطانيون على الحجر ضمن بنود اتفاقية الإسكندرية، ونُقل إلى المتحف البريطاني في لندن عام 1802. ومنذ ذلك الحين، أصبح واحداً من أشهر معروضات المتحف، وأحد أكثر القطع زيارة في العالم.

وترى مصر أن نقل الحجر كان عملاً من أعمال النهب الاستعماري، لأنه خرج من أراضيها أثناء الاحتلال العسكري، بينما تبرر بريطانيا احتفاظها به بأنه نُقل وفق اتفاق رسمي بين الجيوش المتحاربة في ذلك الوقت. وعلى الرغم من المطالبات المصرية المتكررة باستعادته، فإن الحجر ما زال في لندن حتى اليوم، ليبقى رمزاً للجدل بين التراث العالمي والملكية الوطنية.

أما الفضل الأكبر في فك رموزه فيعود إلى العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، الذي نجح عام 1822 في قراءة النصوص الهيروغليفية بعد سنوات من البحث والمقارنة. اكتشف شامبليون أن الرموز لا تمثل صوراً فحسب، بل أصواتاً مثل الحروف الأبجدية، وبذلك تمكن من قراءة اللغة المصرية القديمة للمرة الأولى منذ أكثر من 1500 عام.

بفضل حجر رشيد، استطاع العلماء فهم النقوش المنقوشة على جدران المعابد والمقابر والبرديات، وكشفوا أسرار حياة الفراعنة وديانتهم ونظام حكمهم.

وهكذا، فإن حجر رشيد لم يكن مجرد أثر أثري، بل كان مفتاحاً لبعث صوت مصر القديمة من جديد، وشاهداً على عبقرية حضارتها، وفي الوقت نفسه رمزاً لقضية ثقافية عالمية لا تزال تثير الجدل حول الحق في استعادة التراث إلى موطنه الأصلي.