محمود سامي البارودي ودوره في الثورة العرابية

يُعد محمود سامي البارودي واحدًا من أبرز الشخصيات الوطنية في تاريخ مصر الحديث، حيث جمع بين موهبة الشعر وميدان السياسة والجندية. اشتهر بلقب "رب السيف والقلم"، فقد كان فارسًا في ساحة القتال، وصاحب قلم مؤثر في ساحة الفكر والأدب.
مع بدايات الثورة العرابية عام 1881، كان البارودي من أبرز القادة العسكريين والسياسيين الذين دعموا أحمد عرابي في مواجهة سيطرة الخديوي توفيق والنفوذ الأجنبي في مصر. آمن بضرورة إعلاء شأن الجيش المصري والدفاع عن حقوق الأمة، فشارك بفاعلية في الحركة الوطنية، وأصبح أحد رموزها الكبار.
تولى البارودي وزارة الحربية لفترة، وكان من أشد المدافعين عن مطالب الضباط والجيش، وساهم في الدفع نحو الإصلاح السياسي والحد من تغوّل النفوذ الأجنبي داخل مؤسسات الدولة. وعندما اشتعلت الثورة العرابية، وقف إلى جانب أحمد عرابي في معركة التل الكبير عام 1882، مؤكدًا موقفه الوطني، رغم ما انتهت إليه المعركة من هزيمة ودخول الاحتلال البريطاني إلى مصر.
لم يقتصر دور محمود سامي البارودي على العمل العسكري فحسب، بل امتد إلى ساحة الحكم والإدارة. تولى منصب رئيس مجلس الوزراء المصري في فبراير 1882، ليصبح أول شاعر مصري يتولى رئاسة الوزارة. ورغم قصر مدته في المنصب – إذ لم تتجاوز الأشهر – إلا أنه حاول تنفيذ إصلاحات جادة، أبرزها تعزيز سلطة الدولة، وإعطاء البرلمان مكانة أكبر، والسعي لتحقيق قدر من الاستقلال الوطني عن الهيمنة الأجنبية.
لكن أحداث الثورة العرابية والتدخل البريطاني سرعان ما أنهت تجربته الوزارية القصيرة، فتمت محاكمته ونُفي إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا حاليًا) مع أحمد عرابي وعدد من رفاقه.
كان محمود سامي البارودي مثالًا حيًا لرجل الدولة المخلص الذي جمع بين الفكر والعمل، وبين الشعر والسياسة. فقد ترك بصمة خالدة في مسيرة الثورة العرابية، كما رسّخ مكانته كأحد رموز النهضة الوطنية والفكرية في مصر، وظل اسمه محفورًا في الذاكرة الوطنية كرمز للنضال من أجل الحرية والكرامة.