أنباء اليوم
الخميس 9 مايو 2024 04:55 مـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

”الحقيقة التي لا توصف عن المأساة الليبية” إعداد أ. علي عبدالنبي

أ. علي عبد النبي
أ. علي عبد النبي

كيف وقعت الدولة الواقعة في شمال إفريقيا الغنية بالموارد في دائرة لا نهاية لها من الفساد والكوارث، وتفتت ما تبقى من جوهر حياتها الدقيق؟ أدلة جديدة تسلط الضوء على عوامل مختلفة وشخصيات بارزة، أدت بالتعاون مع نظام القذافي إلى واقع يائس لا مفر منه. فيما يلي قائمة بالنتائج المدعومة بـ OSINT/HUMINT* والتي تم جمعها خلال تحقيق واسع النطاق في القضية.

ذكّرت الفيضانات الكارثية الأخيرة في ليبيا الرأي العام الدولي والصحافة بالنظام الليبي الفاسد والفوضوي وسوء الإدارة1، اليوم، ألقى أحد أبناء الراحل "معمر القذافي" المهندس "سيف الإسلام"، والذي كان له تأثير قوي على والده المسؤول الرئيسي والذي يقع عليه اللوم عن الأوضاع المزرية والكارثية التي تعيشها البلاد قبل وأثناء وبعد ثورة فبراير 2011 وحتى يومنا الحاضر.2

في الجزائر الدولة الجارة، كشفت معلومات جديدة عن إدانات قضائية لمسؤولين جزائريين وصفوا بالفاسدين وكان بعضهم يتمتع بعلاقات جيدة مع القذافي، أي العلاقات التجارية والسياسية6-10، وحتى وقت قريب، كانوا يدعمون عودة نجل القذافي، متجاهلين مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضده11.

كانت عائلة البجاوي الموصوفة بسوء السمعة في الجزائر أحد المستفيدين الرئيسيين من هذه العلاقة6-11، وتذكر المصادر أن السيد "محمد بجاوي"، القاضي السابق بمحكمة العدل الدولية والسياسي الجزائري المشهور، أدين بتهمة الفساد في فضيحة الطريق السريع بين الشرق والغرب،3،4 وهو نفسه الذي قدم استشارات قانونية لليبيا في قضية تحكيم نزاعها الحدودي مع تشاد في سنوات الثمانينات، بينما كان مكلف في نفس الوقت للحكم في نفس القضية،1-5-7 علاوة على ذلك كان شقيقه السيد "نورالدين البجاوي" يقوم بعمليات تجارية في ليبيا في الثمانينيات والتسعينيات.6-9 وحسب المصادر فقد شارك الشقيقان في إعداد قضية النزاع على المياه بين ليبيا وتونس، ومرة أخرى، كان السيد "محمد بجاوي" عضوا في المحكمة أثناء القضية.7

أما بالنسبة لنجل نور الدين، السيد "فريد بجاوي" والذي أُدين مع عمه في واحدة من أكبر عمليات الفساد في الجزائر بمحاكمة سوناطراك، استغل علاقاته العائلية مع الشركة الكندية SNC-Lavalin وأدخلها إلى ليبيا؛10 وبحسب مصادر سرية فإن عائلة البجاوي ومعهم رجل أعمال ليبي يدعى "عثمان الحدوري"، شاركوا في عمليات إختلاس المليارات من أموال الشعب الليبي.8

تفاصيل أخرى

وفقا لما ورد في كتاب للكاتب الجزائري والسياسي السابق السيد "محيي الدين عميمور" في أواخر الثمانينات والذي تناول فيه صعود وسقوط القذافي، فإن الرئيس الجزائري الراحل آنذاك "الشاذلي بن جديد" عرض على الراحل "معمر القذافي" نقل النزاع الحدودي بين ليبيا وتشاد إلى محكمة العدل الدولية والاستعانة بخدمات السيد "محمد البجاوي" كخبير قانوني في صياغة مطالبات القضية في ذلك الوقت، كان أنه بالفعل كان قاضيًا في محكمة العدل الدولية.5

افتتحت القضية في أغسطس 1990 وانتهت في فبراير 1994. وأشار السيد "عميمور" في كتابه إلى أن ليبيا خسرت القضية أمام تشاد، إلا أن الجزائر لعبت بالفعل دورا هاما في إعداد القضية الليبية.6 وتشير المصادر إلى حقيقة أن الجزائر قدمت مثل هذه المساعدة إلى ليبيا في قضيتها ضد تشاد وأنه فعلاً تم تعيين السيد "محمد البجاوي" بشكل أساسي كمستشار قانوني لمساعدة القذافي، كما أنه تم إختياره ليكون عضوا في المحكمة في هذه القضية بالذات.7

من ناحية أخرى، فإن الحقيقة والمعلومات تأكد على أن السيد "محمد البجاوي" قدم مساعدة لليبيا القذافي في هذه القضية، والتي تبين بعد ذلك أنها خاسرة، ولربما يدعم إلى حد ما معلومة أن السيد "البجاوي" قدم للراحل "القذافي الأب" المشورة القانونية في قضية كان هو متورطًا فيها، ورغم أنه في ذلك الوقت لم يتم تعيين السيد "البجاوي" كرئيس لمحكمة العدل الدولية، الأمر الذي ربما يكون قد قلل من تأثيره على القرار النهائي، فبالإضافة إلى ذلك، تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن هذا الأخير كان شديد الانتقاد تجاه الحكم النهائي لمحكمة العدل الدولية لصالح تشاد، ومن بين القضاة المعارضين الآخرين (في المجموع – خمسة) كان هناك أيضًا ريموند رانجيفا.8

وقد توصلنا في بحثنا أيضًا إلى أنه وفقًا لمجلة "Jeune Afrique" فإن السيد "نور الدين البجاوي" حسب وصفها (رجل أعمال) كان يتعامل في الماضي وعلى الأرجح في الثمانينيات وأوائل التسعينيات مع نظام القذافي.9 ويبدو أن العلاقات والاستشارات القانونية التي قدمها السيد "محمد البجاوي" لليبيين بدأت قبل ذلك بكثير، وفقا للمعلومات التي حصلنا عليها من مصدر HUMINT المطلع على كثير من أسرار نظام القذافي، شارك محمد وشقيقه نور الدين في إعداد قضية النزاع على المياه بين ليبيا وتونس (المعروفة أيضًا باسم تونس/الجماهيرية العربية الليبية)، والتي عقدت في محكمة العدل الدولية بين عام 1982/1985 10 وأن السيد "محمد البجاوي" تم تعيينه قاضيا في لاهاي قبل وقت قصير من فتح القضية، وكان أيضا عضوا في هيئة المحكمة في هذه القضية.11

كما قدم لنا نفس المصدر المذكور أعلاه معلومات تتعلق بشخص يدعى "عثمان الحضيري"**، وهو رجل أعمال من أصل ليبي مقيم في المملكة المتحدة، يحمل جنسية أوروبية ويعمل في التجارة الدولية في قطاع الطاقة،12-13 يذكر المصدر إن الأخير كان شريكًا تجاريًا لعائلة البجاوي تحديدًا السيد "نورالدين البجاوي" وقبل ذلك السيد "محمد البجاوي"، وبحسب نفس المصدر أن الحضيري مع البجاويين شاركوا في النهب والإختلاس لملايين الدولارات من أموال الشعب الليبي حينها، وأضاف المصدر أن السيد "الحضيري" يملك عدة حسابات مصرفية في لندن وجنيف وجزيرة (آيل أوف مان)، حيث يحتفظ بأمواله المنهوبة والمختلسة.

وفقا للنتائج التي توصلنا إليها، كان المدعو "نورالدين البجاوي" مرتبطا بشركة مقرها بنما تدعى شركة إعادة التدوير البيئية SA، تأسست في أكتوبر 1990. والغريب أن نشاط هذه الشركة غير معروف أو محدد.14

ظلت العلاقات بين السيد "محمد البجاوي" وعائلته مع نظام القذافي قوية في السنوات القادمة، وقبل بضع سنوات من تطور فضيحة (سوناطراك/سايبم) التي تورط فيها المدعو "فريد البجاوي"، وأفيد أن هذا الأخير لعب دورًا مماثلاً في التوسط بين شركة SNC Lavalin الكندية والحكومة الليبية، وبإختصار أفادت التقارير أن شركة SNC Lavalin قامت بتحويل عشرات الملايين من الدولارات الأمريكية إلى شركة Pearl Partners الوهمية سيئة السمعة التابعة المدعو "فريد" ومقرها هونج كونج، والتي قامت بدورها بتحويل ما يقرب من 160 مليون دولار أمريكي إلى "الساعدي القذافي"، أحد أبناء الراحل "معمر القذافي".15

بالإضافة إلى ذلك، توصل بحثنا إلى أن السيد "محمد البجاوي" عمل كمساعد لابن القذافي الثاني مهندس "سيف الإسلام" وبحسب ما ورد، شارك السيد "محمد" في ديسمبر 2018 في مؤتمر في فندق (ميريديان إيتوال) في باريس حيث كان "أنصار سيف الإسلام" يتجمعون لمناقشة "حقوق الإنسان في ليبيا في مواجهة تفكيك الدولة".16،17 في ذلك الوقت وكان "سيف الإسلام" الذي مختفي في منفاه الإجباري، مطلوباً من قبل السلطات الليبية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية18، وقبل عام من المؤتمر حاول التسجيل للانتخابات الرئاسية في ليبيا لكن تم رفضه19، كان المؤتمر الباريسي يهدف إلى مناقشة "اللعبة المزدوجة" للمحكمة الجنائية الدولية، التي دعت إلى اعتقال سيف الإسلام بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.20