السبت 27 أبريل 2024 10:14 مـ 18 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي
وزير الري يلتقى وزير الموارد المائية بالجمهورية العراقية حملة رقابية مُكبرة بمدينة العبور علي المخابز السياحية والأفرنجية وزيرة الهجرة تهنئ المصريين بالخارج بالذكرى الـ 42 لتحرير سيناء وزير الشباب والرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب التعادل الإيجابي يحسم مواجهة مانشستر يونايتد و بيرنلي بالبريميرليج. ليفربول يتعادل مع وست هام وينهى أماله فى الفوز بالدوري الإنجليزي هيلتون الإسكندرية كورنيش يشارك في استقبال الملك احمد فؤاد الثاني ملك مصر السابق وأسرته تين هاج يعلن تشكيلة مان يونايتد لمواجهة بيرنلي بالبريميرليج رئيس الوزراء يتوجه إلى الرياض للمشاركة في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي الرئيس السيسي يستقبل رؤساء المجالس والبرلمانات العربية المشاركين في المؤتمر السادس للبرلمان العربي تموين المنوفية يحرر 134 محضر تمويني ختام فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية بنادى الفروسية بمدينة مصر

البحث عن السعادة .. بقلم فضيلة الشيخ / عبد المنعم الطاهر من علماء الازهر الشريف

 فضيلة الشيخ / عبد المنعم الطاهر 
فضيلة الشيخ / عبد المنعم الطاهر 

أمة الإسلام: إن راحة الضمير واطمئنانه، وهدوء البال، وصفاء النفس، وسرور القلب، وزوال همومه وغمومه، هو المطلب الأعلى، والهدف الأسمى الذي يسعى إليه كل واحد في هذه الحياة، فالناس كلهم ينشدون السعادة، ويرغبون الخير والفلاح، ويرجون التوفيق والنجاح في جميع أمورهم، لذلك ابتغوا في الحصول على هذه الغاية أسباباً متعددة ووسائل مختلفة، ولكن زلت في هذا المطلب أقدام، وضلت من أجله أفهام، وكثرت بسببه الخواطر والأوهام، حتى ظن الكثير من الناس لغفلة قلوبهم، وضعف عقولهم، وسطحية تفكيره: أن قمة السعادة والفلاح في الحصول على حظوظ الدنيا العاجلة، وشهواتها الفانية، والأموال الوافرة، والمساكن الفارهة، والمراتب الوفيرة، والترفّع والشهرة، والتمتع بالملذات، والتفنن في الشهوات، في زمن كثرت في الفتن والمغريات.

ومن الناس من يتوهم بأن السعادة والفلاح تكمن في السبق في مجالات التقدم المادي، والتحضر العصري، وصرفوا لها جل اهتمامهم، وفاضل أوقاتهم، وزعموا أن هذه الأشياء هي الضالة المنشودة، وهي السبيل على القوة والعزة والطمأنينة والأمان، ولم يدركوا أنها كانت سبباً في هلاك أمم سابقة، وقرون ماضية، بل وشقاء أمم حاضرة، وصدق الله -عز وجل- إذ يقول في محكم التنزيل: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طـه: 123 - 126].

وهكذا -يا أمة الإسلام- إذا لم يكن الإيمان هو الأساس، والعقيدة الصحيحة هي القاعدة الصلبة؛ عند ذلك تفتقد البشرية مقومات الحياة الطيبة، وعندما يتحقق الإيمان والعمل الصالح تسعد البشرية، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]، فلا سعادة لهذه البشرية في زمن الفتن إلا تحت راية الإيمان، ولا عزة ولا رفعة إلا في ضلال القرآن.

لذلك هذه السعادة المنشودة لها وسائل وأسباب؛ في مقدمة ذلك: الإيمان والعمل الصالح: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [القصص: 67].

ومنها: التوبة الصادقة، والإنابة الخاشعة: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

ومنها: تقوى الله -تعالى- بفعل الطاعات، وترك المحرمات، والبعد عن الشهوات: (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 130].

ومنها: ملازمة ذكر الله، والإكثار منه؛ ففي حديث أم هانئ: أنها أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عام الفتح، وقالت: يا رسول الله دلني على عمل أعمله وأنا جالسة؟ لأنها أصبحت سمينة بدينه لا تستطيع العمل وهي واقفة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "سبحي الله مائة تسبيحه، تعدل لك عشر رقاب من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميده تعدل لك مائة فرس مسرجة في سبيل الله، وكبري الله مائة تكبيرة تعدل لك مائة بدنة بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، وقولي: لا إله إلا الله مائة تملأ ما بين السماء والأرض"، وجاء عند مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه".

ومن أسباب السعادة والفلاح: الإنفاق في سبيل الله -تعالى-، وخصوصاً في هذا الزمن الذي جراح المسلمين تنزف دماً في كل مكان: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن: 16].

وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رَضي الله عنه- يقول واصفاً الدنيا: "أولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صحّ فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن سابقها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن اعتبر بها بصّرته" انتهى.

أيها المسلمون: إن الإيمان بالله والعمل الصالح يحقق لصاحبه الفوز الأبدي، والفلاح السرمدي، يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل لمعرفة الطيب والخبيث على التفضيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله ألبتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم الذي جاؤوا به" الخ.

وللأسف أن هناك فئات من الناس يمسي ويصبح على تقصير في نفسه وأولاده وأهل بيته، سوءٌ يتلوه سوء.

إن الإسلام عقيدة عزٍ واستعلاء، تبعث في روح المؤمن إحساس العزة بغير كبر، وروح الثقة بغير اغترار، وشعور الاطمئنان بغير تواكل.


أخي المسلم: يا ترى من هو السعيد في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن؟

السعيد هو ذلكم الشخص الذي امتلأ قلبه بالله -تعالى- حباً وعبادةً وصبراً وشوقاً.

السعيد هو الذي إذا أمسى أو أصبح فليس في قلبه إلا الله.

السعيد هو الذي أسعده الله في نفسه، واطمأن قلبه بذكر الله، ولهج لسانه بالثناء على الله.

السعيد هو الذي أقر الله عينه بالطاعات، وسرّه بالباقيات الصالحات.

السعيد هو الذي أسعده الله في أهله وماله وولده، وحمد الله -سبحانه- على القليل والكثير.

السعيد هو الذي أسعده الله -تعالى- بين الناس، فعاش طيب الذكر، حسن السمعة، لا يُذكر إلا بخير، ولا يعرف عنه إلا الخير والطاعة، وذكر الله، والإحسان إلى الناس، وكف الأذى عنهم.

السعيد هو الذي إذا وقف على آخر أعتاب هذه الدنيا وقف بقلب ثابت، ولسان ذاكر، قد رَضي الله عنه فأرضاه الله -تعالى-.

السعيد هو الذي إذا دنت ساعته، وحانت قيامته، تنزّلت عليه الملائكة تبشّره يروحٍ وريحان، ورحمة وغفران، وأن الله راضٍ عنك غير غضبان.

السعيد هو الذي ختم له بخاتمة السعداء، فكان آخر ما نطق به من الدنيا: "لا إله إلا الله".

السعيد هو الذي أسعده الله في قبره، وقرّ عينه في لحده؛ فثبّت الله له الجنان، وسدّد له اللسان، ففرش له من الجنان، وقال: يا رب أقم الساعة، شوقاً إلى رحمة الله، وحنيناً إلى عظيم فضل الله.

السعيد هو الذي عندما يٌبعث من قبره، ويخرج إلى حشره ونشره، خرج مع السعداء تتلقاهم (الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء: 103].

السعيد هو الذي إذا دنت الشمس من الخلائق، وذلّ كل عزيز، وأخرس كل ناطق، واشتد لهيبها، وعظم حرّها، وإذا هو في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

السعيد هو الذي ينتهي مآله، ويكون قراره إلى الجنة دار السلام، ومنزل الأتقياء الأنقياء الأخفياء.

عباد الله: هذه السعادة التي يطلبها ويتمناها كل عبد صالح، فكم من غنيّ ثري أبكاه ماله وأشقاه حلاله فطال بكاءه؟ كم من فقير الحال قليل المال لكن الله أغناه غنى الإيمان فإذا قلت له: كيف الحال؟ قال: الحمد لله في نعمة من الله وفضل؟ كم من مريضٍ أقعده المرض على فراشه ومع ذلك يقول: الحمد لله؛ لأن الله ملأ قلبه بالرضا والصبر والإيمان؟ وكم من ابنٍ بارّ فتح الله أبواب السماء لدعوة والديه، يقول الحبيب -صلى الله عليه وسلمَ-: "مَنْ أَرْضَى وَالِدَيْهِ، فَقَدْ أَرْضَى اللَّهَ، وَمَنْ أَسْخَطَ وَالِدَيْهِ، فَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ".