الجمعة 29 مارس 2024 09:34 صـ 19 رمضان 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

حديث الروح .. (خواطر) بقلم - كريم بن إبراهيم بن أحمد

شكر وعرفان
شكر وعرفان

كنتُ فيما مضى غير منبعث البتة تجاه الدراسات العليا، هكذا أراد الله أن أبقى قرابة ست عشرة سنة بعد الانتهاء من مرحلة الليسانس في التفسير وعلوم القرآن، ربما كانت القناعة الفكرية طيلة هذه المدة هي العائق والحائل بيني وبين الإكمال، وفي النهاية كلها أقدار مقدرة وأمور قد فرغ منها، ولله الحكمة البالغة.

حتى جاء يومٌ بَعَثَ الله تعالى فيه الهمة وحرَّك العزم ووجَّه الوجه تجاه الدراسات العليا في كلية الآداب قسم اللغة العربية وآدابها شعبة الدراسات الإسلامية جامعة طنطا، ويسَّر الله القبول، وشرعت في الدراسة، وكان من حسن حظي وجميل تقدير الله لي أن تلمذت لثلاثة من الأساتيذ الكبار علمًا وسعة أفق وخبرات طويلة في دروب العلم والبحث وطرائق التعليم، ثلاثة من أهل العلم لهم في الدراسات الإسلامية باع طويل وقدم راسخة وإسهامات مذكورة، فالأستاذ الدكتور محمد عطا يوسف لا تمل حديثه، وهو يشرح مادة مناهج المفسرين، ومادة تحقيق التراث، حديثه عذب شائق، قد جَمَعَ في حديثه المترادفات والعبارات المنتقاة والألفاظ الرقراقة والأساليب المؤثرة في سهولة ويسر بعيدًا كل البعد عن التكلف والإغراب، كتابته شائقة ترى ذلك واضحًا جليًّا في كتابه "تحقيق التراث بين بر أبنائه وجهل أعدائه"، وإذا حاضر من قرب أو عن بعد وجدت كريم الخصال ونبيل الأخلاق في حديثه لطلابه، ولا يسعك إلا أن تصفه بحديث الوالد الشفيق لأبنائه، لا أذكر أنه عامل أحدًا معاملة فيه جفاء، بل إنما هي الرحمة والرفق والتعليم والتوجيه من منطلق خبرات السنين وتراكم المعارف والنصيحة المحضة، يحث طلابه على أن يكون قصدهم وجه الله تعالى بهذا العلم ويحذرهم من سوء النية وفساد القصد، ويبدي في هذا ويعيد، فجزاه الله عن العلم وأهله وطلابه خير الجزاء وأوفاه.

والأستاذة الدكتورة أماني كمال غريب عمر مثالٌ للحزم التام، وتحديد الهدف المطلوب وإنجازه وفق ما طلب منك بعيدًا عن الإفراط والتفريط، وهي حريصة كل الحرص على أن يفهم عنها الطالب ما تريدُ من علمٍ وخبراتٍ كوَّنتها على مدار سنوات وسنوات من البحث العلمي والتدريس والتعليم، ولها في ذلك فلسفة محمودة، وقد تعلمتُ منها الدقة المتناهية البالغة، وسرعة الإنجاز، وتقدير الوَقْت المحدَّد لعملٍ ما والالتزام به وعدم الاسترسال في غير المطلوب، وأن تكونَ دقيقَ الملاحظة في كتابة خطة بحثك، وفي كتابة ما يصدر عنك كافةً، من جميع الجهات العلمية والفنية والشكلية والإملائية والترقيمية واللغوية، فشكر الله لها وجزاها خيرًا.

ومسك الختام الأستاذة الدكتورة زينب عبد السلام أبو الفضل الفقيهة الأصولية التي جمعت في علمها بين التصور الكامل للعلم المسطَّر في الكتب قديمها وحديثها والواقع المعيش الذي نحياه، وهذا أمر مهم جدًّا لمن تدبره، وهي حريصةٌ في دَرْسها الفقهي الأصولي على غرْس هذا في المتلقي عنها، وهل ينسى من تلمَذ لها قولَها: إلى متى نردِّد تعريفات الفقهاء وشرح التعريفات ومحترزات التعريف، أين عقل الطالب وأين إضافته العقلية والفكرية لهذا التراث الذي تركه لنا الفقهاء، وصدقًا قالتْ وحقًّا نطقت، لا بد من إعمال العقل وإنعام النظر والخروج بحلول ومخارج شرعية صحيحة لما تعانيه الأمة من مشكلات وأزمات لها من الأسباب ما لا يخفى على أهل العلم. فجزى الله الأستاذة خيرا وأثابها.

وهذا حديث موجز جدًّا وكلام مختصر غاية الاختصار، وحق الأساتذة والله كبير جدًّا، حقهم سِفْر كبير ومؤلف ضخم، وأسأل الله أن يبارك فيهم وأن يجزيهم خير الجزاء وأوفاه، وأن يبارك أعمارهم على طاعته، وأن يجمعنا بهم في الدنيا على طاعته، وفي الفردوس الأعلى بعد عمر مديد على الطاعة والبر.

وسلام على الأساتذة، وحرس الله مهجهم.