الإثنين 29 أبريل 2024 08:15 مـ 20 شوال 1445 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

شبح المرآة

بقلم / حمادة توفيق
صديقي أحمد أبوالمجد
لن أحدثكَ عن الرعبِ الذي تملكني ، ولا عن الفزعِ الذي احتلّ نفسي أيّما احتلالٍ ، ولا عن الأفكارِ المخيفةِ التي راودتني عندما رأيتُ ما رأيت ، فقط تخيل حالي تلك الليلة وأنا ذلك الحالم الهادئ ، خفيف القلب مرهف الحس ، بل تخيل نفسك مكاني وعلى سريري وفي نفس موقفي ، ماذا سيكون شعورك يا تُرى ؟
سأصف لك ما حدث لعلني أجد له تفسيراً منطقياً لديك ، فأنا منذ كان ما كان وأنا في غاية التوتر والاضطراب ، عقلي مشوش لا يكف عن التفكير ، لا أستطيع النومَ ليلاً خشية أن يحدث ما حدث مرة أخرى ، أجلس مطرقاً فوق السرير صامتاً مذعوراً ، أتلفت حولي كمن فقد عقله ، والحق أن ما حدث لم يكن سهلاً ، كان أمراً يختبلُ العقول ويذهل العقلاء ..
لن أطيل عليك حتى لا تمل ، سأقص عليك ما جرى والحكم لك ..
كنت نائماً بعد يوم عمل شاق في شركة الأدوية ، الظلام يحتوي غرفة نومي سوى بصيصِ نورٍ جاء من نافذة صغيرة مغلقة في الحائط الذي يفصل الحمامَ عن الغرفة ، كنت وحيداً في المنزل ، فكما تعلم أنا فقدت زوجتي وابني من شهر تقريباً في حادث مروع أثناء عودة زوجتي من عند أهلها ، أذكر أنك اقترحت عليّ بعدها أن أبيع المنزل وأشتري شقة صغيرة في مكان جديد ، وأن أجتهد في نسيان ما حدث ، وأتناسى المأساة قدر المستطاع ، فالحي أبقى من الميت !
وأذكرُ أنني اعترضتُ يومها على الفكرة ، وآثرتُ أن أعيش مع الذكريات التي تربطني بهذا المنزل حلوها ومرها ، ثم مضت الأيامُ تترى ، أعود من العمل مكدوداً فأتناول العشاءَ الجاهزَ الذي أحضره معي ، ثم أشربُ مشروبي المفضلَ وهو كوبُ الشاي بالحليب ثم أنام ، ومرتْ الأيامُ على هذا الديدنِ والحالِ بلا جديد ، ثم ..
إليك ما حدث تلك الليلة ..
كنت نائماً في أمان الله ، فاستدرتُ لأنام على جانبي الأيسر في مقابلة مرآة الدولاب ، انتبهتُ فجأة ففتحتُ عينيّ لأرى شبحاً في المرآة بلباسٍ أسودِ اللون ، محملقاً فيّ بعينين حمراوين كالدم ، كان يفغرُ فاهاً كبيراً ندّ عن أنيابٍ كأنها أنيابُ وحشٍ ضارٍ ، وله يدانِ بمخالبَ كمخالبِ الأسد ، وشعرٍ أشعث كأنه شعرُ جثةٍ خارجةٍ من قبر !
رأيتُ كل ذلك رغم الظلام القابع في الغرفة ، فلقد كان ضوءُ النافذة إياها منعكساً فوق المرآة ..
عند ذلك تملكني الخوفُ وسرتْ قشعريرة باردة وجدتُ أثرها في جسدي كله ، وترورقت من عينيّ عبراتُ هلعٍ لم أطق حبسهنّ ..
- بسم الله الرحمن الرحيم ، سلامٌ قولاً من غفورٍ رحيم !
كلمات التجأتُ إليها لأبددَ الخوفَ الذي احتلّ نفسي لحظتها ، ولأتخلص من بشاعةِ ما أرى ، لكن هيهات ، ظل الشبحُ واقفاً يحملقُ فيّ ، فجأة رفع يديه ورأيته يتحركُ نحوي وقد فغر فاه أكثر وأكثر ، صحتُ مذعوراً :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..
ثم خطر لي أن أضيءَ النورَ فلعله يريحني مما أنا فيه ..
تراجعت بظهري وأنا فوق السرير حتى اصطدم ظهري بالحائط ، مددتُ يدي مرتعشاً إلى زرِّ الإضاءة ، ضغطتُ عليه لاهثاً مرعوباً ، وإذا بالحجرة تستنير ، فلا شبحَ ولا خوفَ ولا ظلامَ ، لقد تبددَ كلُّ شيءٍ وتبددتْ فجأة كل مخاوفي !
جلست على السرير أتطلعُ إلى المرآة في دهشة ، هل كان ما رأيته شبحاً بالفعلِ أم مجردَ كابوسٍ مفزع ؟ أحقيقة هو أم خيال ؟ وكيف أنامُ حتى الصباح بعد الذي كان ؟
أسئلةٌ كثيرةٌ ومخاوفٌ كانت تحيطُ بي إحاطةَ السوارِ بالمعصم ، لأجدني مستسلماً لما أنا فيه حتى طلع الفجرُ وأشرقتْ الشمسُ فظهرَ معها في الشارعِ أسفلَ مني دبيبُ حياة ..
هذا كلٌّ ما حدث ، ومنذ ذلك الحين لم أعد أنا أنا ، لا أستطيع النومَ ليلاً ، أدخلُ المنزلَ وجلاً أتلصص ، عيني في كل مكانٍ مخافةَ أن أجدَ الشبحَ إياه يترصدني كما ترصدني تلك الليلة !
فهل لديك تفسيرٌ منطقيٌ لما حدث ؟ تعلمُ أنني مؤمنٌ بالأشباحِ والجن والماورائيات ، لكن لم أكن أتخيلُ أن أكون واحداً من مختبريها أو المرتبطين بها ..
ستقترحُ عليّ مجدداً أن أبيعَ المنزل ؟ لا أعتقدُ أنني سأقتنع بذلك ، فالعيبُ ليس في المنزل على الإطلاق ، وثمةَ تفسيرٌ لما حدث ، فقط فكر معي ، حتماً هناك تفسير ..
صديقك المخلص ..
الخميس 4 مارس 2005