لعنة المقابر بدأت بمقبرة توت عنخ آمون إلى أسطورة الصحافة العالمية

منذ أن فُتحت مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون عام 1922 على يد هوارد كارتر، تسللت إلى أذهان العالم حكاية غامضة أُطلق عليها اسم "لعنة الفراعنة" أو "لعنة المقابر". صحيح أن المصريين القدماء تركوا في نصوصهم الجنائزية و"كتاب الموتى" عبارات تحذيرية مثل "من يفسد قبري ستطارده الآلهة"، لكن هذه الكلمات لم تكن سحرًا حقيقيًا بقدر ما كانت دعوات دينية هدفها ردع اللصوص وصون حرمة الميت في رحلته الأبدية وغير أن ما حدث بعد فتح المقبرة جعل الصحف العالمية تُحوِّل التحذيرات القديمة إلى قصة أسطورية حيّة.
ففي ربيع ذلك العام، توفي اللورد كارنارفون، الممول البريطاني للحملة، بعد أيام قليلة من تعرضه لعدوى بسيطة من لدغة بعوضة. لم يكن الحادث ليلفت النظر لولا أن وفاته جاءت عقب فتح المقبرة مباشرة، لتشتعل العناوين في الصحف البريطانية والفرنسية والأمريكية: "الموت يطارد من أزعج المومياء". ومع تتابع أخبار مرض أو وفاة بعض الأشخاص الذين ارتبطت أسماؤهم بالمقبرة، أخذت الأسطورة تتجذر حتى صار الرأي العام الغربي يتحدث عن "انتقام الفراعنة" وكأنها حقيقة مؤكدة.
لكن العلم كان له رأي آخر. فقد رأى الباحثون أن السبب قد يكون وجود فطريات وجراثيم خطيرة تراكمت آلاف السنين داخل المقابر المغلقة، وعند فتحها استنشقها بعض المستكشفين، فسببت لهم أمراضًا قاتلة. ورغم وجاهة التفسير العلمي، بقيت هناك مفارقة مثيرة: هوارد كارتر نفسه، مكتشف المقبرة وصاحب اليد الأولى في فتحها، عاش أكثر من خمسة عشر عامًا بعد الحدث ولم تصبه لعنة ولا مرض غامض، وكأن الأسطورة أرادت أن تبقي باب الشك مفتوحًا.
تحولت "لعنة المقابر" من واقعة مرتبطة باكتشاف أثري إلى رمز ثقافي عالمي. فقد غذتها الصحافة الأوروبية لتثير الرأي العام وتزيد من مبيعاتها، وتلقفتها السينما والأدب لتتحول إلى قصص عن مومياوات تستيقظ من سباتها لتنتقم، وأفلام رعب تُعرض في قاعات العالم منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم. وبينما يرى بعض المؤرخين أن الأسطورة مجرد خيال صنعته الصحافة، يرى آخرون أنها تعكس احترامًا عميقًا لدى المصريين القدماء لحرمة الموتى ورغبتهم في حماية عالمهم الأبدي من أي عبث.
وهكذا بقيت "لعنة المقابر" حكاية تقف عند حدود الغموض بين الحقيقة والخيال، تجمع بين رهبة التاريخ وسحر الأسطورة، وتجعل من وادي الملوك ليس فقط مدفنًا للملوك، بل أيضًا مسرحًا لأشهر لغز أثري عرفه القرن العشرون.