يحيى باشا إبراهيم رمز وطني كبير وشيخ القضاة ورئيس أول حكومة دستورية في مصر

وُلد يحيى إبراهيم باشا عام 1861 في بلدة بهبشين بمحافظة بني سويف، ونشأ في بيئة مصرية أصيلة جامعة بين التعليم التقليدي والحديث. انتقل إلى القاهرة حيث تلقى العلم بمدرسة الأقباط الكبرى، ثم التحق بمدرسة الحقوق وتخرج فيها عام 1880، ليبدأ بعدها مسيرة مهنية متميزة رسمت له مكانة بارزة في تاريخ مصر الحديث.
بدأ عمله مدرسًا في مدرسة الألسن وهو لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، حيث درّس مواد القوانين والترجمة بجدارة نادرة، ثم أصبح وكيلاً لمدرسة الحقوق بين عامي 1884 و1888، حيث تخصص في تدريس القوانين الرومانية وقانون التجارة وغيرها من الفروع، وأثبت في تلك الفترة قدرات استثنائية جعلت الألسن تلهج بذكره.
مع مطلع عام 1888 التحق بالسلك القضائي نائبًا لقاضٍ بمحكمة الإسكندرية الأهلية، ثم رُقّي قاضيًا، وتدرج سريعًا حتى تولى رئاسة محكمة بني سويف، ثم وكالة محكمة المنصورة، ومنها إلى محكمة الاستئناف الأهلية عام 1893. كان مثالاً للنزاهة والعدل، حتى استحق لقب شيخ القضاة. وفي عام 1905 تولى رئاسة دائرة محكمة جنايات طنطا، قبل أن يتولى رئاسة محكمة الاستئناف في 10 فبراير 1907، وهو المنصب الذي ظل يشغله ثلاثة عشر عامًا حتى عام 1919.
دخل يحيى إبراهيم الحياة الوزارية لأول مرة حين تولى وزارة المعارف في وزارة يوسف وهبة باشا (1919-1920)، ثم أعيد تعيينه في نفس المنصب في وزارة محمد توفيق نسيم الثانية (1922-1923)، حيث اهتم بمحو أمية العمال وافتتح 22 قسمًا ليليًا لتعليمهم في أنحاء البلاد.
أما ذروة مسيرته السياسية فجاءت حين كُلّف بتشكيل الوزارة المصرية في 15 مارس 1923، فجمع بين رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، كما تولى وزارة العدل بالنيابة في نوفمبر من العام نفسه. وقد لُقبت حكومته بـ وزارة القوانين لكثرة ما أصدرت من تشريعات إصلاحية. ومن أبرز إنجازاته آنذاك الإفراج عن الزعيم سعد زغلول ورفاقه، وإلغاء الأحكام العرفية، وإصدار دستور 19 إبريل 1923 الذي عُدّ أهم أعمال وزارته، إضافة إلى تنظيم الانتخابات النيابية الأولى التي عُرفت بنزاهتها.
ظل حاضرًا في الحياة السياسية بعد ذلك، فرأس حزب الاتحاد عام 1925، وتولى وزارة المالية في حكومة أحمد زيور باشا الثانية (1925-1926)، كما شغل منصب رئاسة مجلس الشيوخ بين 1931 و1934. إلى جانب نشاطه القضائي والسياسي، ترك مؤلفًا مهمًا بعنوان القطع المنتخبة صدر في جزأين بمطبعة بولاق عام 1893، جمع فيه ما يتصل بأمور القضاء وتاريخه.
نال يحيى إبراهيم باشا خلال حياته العديد من الأوسمة والتكريمات: من الرتب العثمانية والمجيدية إلى نيشان النيل من الدرجتين الثانية والأولى، ثم الوشاح الأكبر المصري، وأخيرًا الوشاح الأكبر من نشان القديس ميخائيل وجورج الذي منحته إياه بريطانيا، وحمل بموجبه لقب سير.
توفي يحيى إبراهيم باشا عام 1936، بعد أن ترك إرثًا زاخرًا من النزاهة والعدل والإخلاص في خدمة الوطن، فاستحق أن يُذكر اسمه بين أعلام مصر الكبار، بوصفه أحد أبرز رجال القضاء والسياسة وصاحب الفضل في دستور 1923، الذي كان علامة فارقة في مسيرة الحياة النيابية والدستورية في مصر.