أنباء اليوم
 أنباء اليوم

الفريق إسماعيل باشا سليم ناظر الجهادية وبطل ورمز عشق ودافع عن مصر

صورة توضيحية
تامر المنشاوي -

في صفحات التاريخ المنسي يبرز اسم الفريق إسماعيل باشا سليم كأحد أعظم القادة العسكريين الذين أنجبتهم مصر في القرن التاسع عشر، جنرال خاض معارك فاصلة ضد اليونان وضد القوات البريطانية والنمساوية والألمانية، وترك بصمته الواضحة في تاريخ الصراع على شرق المتوسط، قبل أن يغيب اسمه عن الذاكرة العامة رغم ما قدمه من تضحيات وانتصارات. وُلد إسماعيل باشا سليم عام 1809 في هضبة لاسيثي بجزيرة كريت، وكان اسمه عند الميلاد إيمانويل باباداكيس لأسرة مسيحية، ووالده هو الكاهن فرانسيس باباداكيس الذي قُتل عام 1823 خلال قمع القوات العثمانية لتمرد جزيرة كريت، وبعد مقتل الأب نُقل الأبناء الثلاثة أنطونيوس وإيمانويل وأندرياس إلى دار لرعاية الأيتام في مدينة الإسكندرية بمصر. ومع بلوغهم سن الشباب اختار كل منهم طريقًا مختلفًا، إذ قرر أنطونيوس البقاء على المسيحية وهاجر إلى أوكرانيا ثم استقر في اليونان حيث عمل في التجارة وحقق ثراءً كبيرًا، بينما اعتنق إيمانويل وأندرياس الإسلام وقررا البقاء في مصر والالتحاق بالمؤسسة العسكرية. غيّر إيمانويل اسمه إلى إسماعيل سليم والتحق بالكلية الحربية المصرية وبعد تخرجه عُيّن ضابطًا في الجيش، فيما التحق شقيقه أندرياس بقوات الدرك ليصعد لاحقًا إلى منصب قائد الدرك، ولم تمض سنوات طويلة حتى برز نجم إسماعيل سليم كأحد الضباط المميزين في الجيش المصري.

شارك إسماعيل سليم في حملة إبراهيم باشا بن محمد علي على بلاد الشام عام 1831، ورغم حداثة رتبته آنذاك أظهر شجاعة نادرة خاصة خلال معركة قونية حين واجه القوات الألمانية التي جاءت لمساندة الدولة العثمانية بقيادة الجنرال الألماني فون مولتكه الذي أُسندت إليه قيادة الجيش العثماني في تلك المعركة. وبعد نجاح إبراهيم باشا في السيطرة على بلاد الشام تمت ترقية إسماعيل سليم وتعيينه من كبار قادة القوات المصرية المرابطة في بيروت، وفي عام 1840 حين حاول الأسطولان البريطاني والنمساوي احتلال بيروت لإجبار محمد علي باشا على الانسحاب من الشام والأناضول أصدر إسماعيل سليم أوامره للمدفعية بقصف الأسطول وتمكن من صد الهجوم ومنع الاحتلال محققًا نصرًا عسكريًا مهمًا رغم تفوق العدو البحري ورغم أن عدد قواته لم يتجاوز عشرة آلاف مقاتل. وبعد توقيع معاهدة لندن عام 1840 وانسحاب القوات المصرية من بلاد الشام عاد إسماعيل سليم إلى مصر واستمر في الترقي داخل المؤسسة العسكرية حتى حصل عام 1859 على رتبة فريق ولقب الباشوية، وفي عام 1862 أصبح المنسق العسكري بين الخديوي إسماعيل والسلطان العثماني عبد العزيز وكان يحمل طموحًا لتوحيد جيوش الأمة واستعادة مجدها العسكري. وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أنه تولى منصب وزير الحربية في مصر في عهد سعيد باشا والخديوي إسماعيل، إلا أن اسمه لا يرد صراحة ضمن القوائم الرسمية لوزراء الحربية وهو ما يفتح باب التساؤل حول أسباب تغييب دوره في السجلات الرسمية. وفي عام 1866 قاد إسماعيل سليم باشا بنفسه جيشًا مصريًا قوامه عشرون ألف مقاتل لإعادة فتح جزيرة كريت التي كانت قد سيطر عليها اليونانيون بدعم من بريطانيا وفرنسا، ودخل الجزيرة محققًا سلسلة من الانتصارات حتى وصفه خصومه بأنه رجل عجوز يتقدم جيشه بنفسه ويقاتل في الصفوف الأولى، وأُصيب إسماعيل سليم برصاصة خلال معارك مدينة ستيلوس ورغم إصابته تمكن من السيطرة عليها ثم حقق انتصارًا كبيرًا في معركة أركادي قبل أن ينجح في ربيع عام 1867 في بسط السيطرة على هضبة لاسيثي مسقط رأسه. وفي مفارقة قدرية مؤثرة اشتد به المرض في نفس الأرض التي وُلد فيها ليفارق الحياة في 23 سبتمبر 1867 وسط تضارب الروايات حول سبب وفاته بين من قال إنها نتيجة تسميم ومن أرجعها إلى الحمى التي تفاقمت بسبب إصابته السابقة.

وبعد وفاته نُقل جثمانه إلى مصر تنفيذًا لوصيته ودُفن في منطقة الإمام الشافعي بالقاهرة حيث ظلت مقبرته قائمة ضمن المقابر التاريخية قبل أن يتم نقلها لاحقًا والحفاظ عليها ضمن مقابر الخالدين في إطار الجهود الرامية إلى صون الرموز الوطنية ذات القيمة التاريخية.

وفي هذا السياق أكدت سلمى أحمد الباحثة في التراث المصري القديم أن سيرة الفريق إسماعيل باشا سليم تعكس إشكالية كبرى في التعامل مع رموز التاريخ المصري الحديث قائلة إن إسماعيل باشا سليم أحد القادة الذين صنعوا تاريخًا عسكريًا حقيقيًا للمنطقة وإن انتصاراته في الشام وبيروت وكريت تؤكد حجم الدور المصري خارج حدوده، مشددة على أن الحفاظ على مقبرته ونقلها إلى مقابر الخالدين خطوة مهمة، لكن الأهم هو الحفاظ على سيرته في الوعي العام والتوثيق العلمي، وأضافت أن التاريخ لا يُحفظ بالحجارة وحدها بل بالمعرفة وأن إعادة تقديم هذه الشخصيات للأجيال الجديدة مسؤولية ثقافية ووطنية.

إن انتصارات إسماعيل باشا سليم ظلت أحد الأسباب الرئيسية في استمرار السيطرة العثمانية على الجزيرة لعقود لاحقة، مؤكدة أن هذا القائد لم يكن مجرد جنرال عابر بل صفحة مضيئة في تاريخ الأمة.