الشيخ محمد رفعت صوت الخلود في تلاوة القرآن وحفظ التراث الديني المصري

يُعد الشيخ محمد رفعت واحدًا من أعظم رموز التلاوة القرآنية في مصر والعالم الإسلامي، إذ ارتبط اسمه بصوتٍ شجيٍّ جمع بين الخشوع والسمو الروحي، فصار علامة فارقة في تاريخ التلاوة المصرية. وُلد عام 1882 بحي الفجالة بالقاهرة، ونشأ في بيئة قرآنية مبكرة، حيث حفظ كتاب الله صغيرًا، وبرزت موهبته الفريدة التي أهلته ليكون مدرسة قائمة بذاتها في فن التلاوة.
تميّزت أعمال الشيخ محمد رفعت بالدقة في أحكام التجويد، والقدرة النادرة على التعبير الصوتي عن المعاني القرآنية، وهو ما جعل تسجيلاته الخالدة مرجعًا للقراء والدارسين حتى اليوم. ولم تكن تلاوته مجرد أداء صوتي، بل رسالة روحية وإنسانية نقلت جوهر القرآن إلى قلوب المستمعين، ورسّخت مكانته كأحد أهم الأصوات التي شكّلت الوجدان الديني في مصر.
ولم يقتصر تأثير الشيخ رفعت على التلاوة فحسب، بل امتد ليشمل تعليم الأجيال الجديدة، حيث آمن بأن القارئ الحقيقي هو من يجمع بين سلامة النطق، وفهم المعنى، واستحضار الخشوع. وقد ترك بذلك أثرًا بالغًا في تشكيل مدرسة التلاوة المصرية التي ما زالت تُعد من أهم مدارس التلاوة في العالم الإسلامي.
وفي هذا السياق، تؤكد الباحثة في التراث سلمى أحمد ومن محبيه ، وتقول أن مقبرة الشيخ محمد رفعت بمنطقة السيدة نفيسة لا تقل أهمية عن إرثه الصوتي، مشيرة إلى أنها تمثل شاهدًا ماديًا على تاريخ أحد أعمدة التلاوة المصرية. وتوضح أن المقبرة ليست مجرد مدفن، بل عنصر من عناصر الذاكرة الثقافية والدينية، يجب الحفاظ عليه وصونه بوصفه جزءًا من التراث الجنائزي الذي يوثق سِيَر الرموز الوطنية والدينية.
وترى سلمى أحمد أن الحفاظ على مقبرة الشيخ محمد رفعت هو حفاظ على هوية مصر الروحية، مؤكدة أن مثل هذه المواقع تُجسّد العلاقة بين الدين والتاريخ ، وتمثل مزارًا ثقافيًا وروحيًا يعكس عظمة المدرسة القرآنية المصرية ودورها في تشكيل الوجدان العام عبر العقود.
بعد رحيله عام 1949، دُفن الشيخ محمد رفعت في مقابر السيدة نفيسة، ليظل المكان شاهدًا على مسيرة قارئ ارتبط اسمه بالقرآن الكريم، وصار صوته جزءًا من ذاكرة الأمة. وتبقى أعماله، إلى جانب الحفاظ على مقبرته، مسؤولية ثقافية وتراثية تضمن استمرار حضوره كرمز خالد في تاريخ التلاوة القرآنية المصرية.

